ملاحظة : " نشرت في جريدة الشبيبة"
المحروسة كثيرا ما نسمع عن هذا الإسم الذي تطرب لسماعه الآذان ويحرك لك المشاعر ويحلق بك بعيداً إلى مركب يمشي على النيل ليلا مع صوت علي الحجار الذي يقول فيه مغنيا : "إلي بنى بنى مصر ، كان في الأصل حلواني ، وعشان كذا مصر يا ولاد مصر يا ولاد ، حلوة الحلوة "المحروسة " تلك الأسطورة العجيبة التي تطلق تحديدا على القاهرة والتي بنى وشيد أسوارها الفاطميين التي أسسها القائد العسكري جوهر الصقلي لتكون مملكة ومقرا لهم هي كلمة من يخرجها من بين الشفاه ويستشعر بعذوبتها يجد أن الكلمة هي من تمنحه ذلك الشعور بالحنان والعروبة والوزن وتعطيه بعدا جماليا يسرح من خلاله على كل شبر من تراب مصر حتى ولو لم يزرها فما بالك بمن يعشها . إننا نحن العرب مع أبنائها شعبا واحدا طالما العروبة واحدة وطالما رائحة الأزهريين والأزهر تعطر عقولنا وتسبغ ذاكرتنا بكل ما هو مفيد لرفعة ديننا وآخرتنا ! وكيف لا ومصر هي القدوة التي إن إرتفع وعلا صوتها نهض العرب لها قياما مع بعضهم ، هذه هي مصر التي لقبت بالمحروسة فهل هذا الإسم يا ترى كان كافيا لحمايتها من من الأخطار التي مرت عليها؟ وهل حقا هذا الإسم حرسها من كل عدو متربص طامع في ترابها وخيراتها .؟
إن تاريخ مصر تاريخ متأصل وعظيم وشعب مصر شعب ذو نكهة خاصة عرف بطيبة قلوبهم ومرحهم وخفة دمهم ولا أحد يستغرب أن قلت بأنني مواطنة عمانية من كتبت هذا المقال ولم أتشرف بزيارة مصر حتى الآن؟ولم أراها سوى في الأفلام والمسلسلات والبرامج الوثائقية إلا أن دمع عيني ينسكب من خدي على لوحة مفاتيح متصفحي فكأنني عشت بمصر بمختلف عصورها نظرا لقربي من شعبها وما تربطني مع البعض منهم من صداقات وصلات طيبة و نظرا لما قرأته عن تاريخها وأهراماتها من شارع محمد على وكبري 6 أكتوبر وحتى أوبرا عايدة وغيرها واشم عن قرب رائحة سهاج وأسيوط والمنية والمنوفية وحلوان ومصايف الإسكندرية وصوت بائع الجرائد وهو ينادي أهرام أخبار جمهورية يخرم طبلة أذني مصر العظيمة هي في معظمها سجلا حافلا بالحضارة والعظمة والتاريخ إنها سجلٌ عظيم وذلك السجل شهد الأخطار منذ سنوات طويلة تلك أخطار حولت من مصر إلى باع طويل من الغزو والإحتلال من قبل بؤر كثير قادمة عبر خرائط جغرافية من الشرق ومن الغرب في آن واحد . ولا أبالغ إن قلت أن الأشقاء المصريون قد أطلقوا إسم المحروسة على مصر نظرا لما عاناه الكثير من ويلات الحروب فيها فنطقت ألسنتهم وهتفت أرواحهم وهم يدعون ربهم بقولهم : " ربنا يحرسك يا مصر يا غالية من كل ردي ".
إن مصر قد شهدت عدوانا إسرائيليا كان تحديدا آخره في عام 67 ، ومن كان يتابع الفضائيات وتحديدا الأفلام المصرية لعرف ذلك من خلال رأفت الهجان ومسلسل الوصول إلى إيلات وكذلك مسلسل إمرأة هزت عرش مصر وغيرها الكثير والكثير من تلك الأفلام المشابهة وقد إنتصرت مصر أيام عبدالناصر الذي كان يعتبر وحتى يومنا هذا زعيما للأمة العربية حين وحد العرب ورفع من شأن العروبة وعرفه الجميع بإنتصار أكتوبر والتي عاشت مصر في عهده فترة منادية بالإستقلال وكسب قلوب المصريين وخصوصا فئة الفلاحين والموظفين الصغار لذلك نجد صوره حتى الآن على جدار كل بيت في مصر ومايزال الأخوة المصريين الكثير والكثير جدا يذكره ومع كل ذلك لم تكن مصر بعيدة عن منأى الأخطار بعد أن قامت بتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل. فالكثير من المعاهدات التي تم توقيعها عبر التاريخ لم تكن تغمض أعين الطامعين من النقض والتعدي على الطرف الاخر وخصوصا بأنك لم تكن متبعا لملتهم وخصوصا بأن مصر بها الكثير من الأقليات والطائفيات التي إمتزجت مع أبناء شعبها الأصليين وأصبحت الخطورة من الداخل أكثر بكثير من الخطر الذي يهددها من الخارج
ورغم ذلك بقيت مصر هي الأم التي تفتح ذراعيها لجميع شعوب الوطن العربي بصفة خاصة وشعوب العالم بصفة عامة فمن لم يزرها للسياحة فإنه لا يلبث أن يقيم فيها من سنتين وحتى خمس أو سبع سنوات للدراسة وحينما يعود يكون قد شرب من ماء النيل ومن يشرب من النيل يوما لا بد وأن يعود إليه ليسمعنا الكلمات التي تتقافز لها قلوبنا وترسم الإبتسامة على شفاهنا مثل كلمة الباش مهندس وكلمة أفندم يا باشا وزيك يا بيه ومن لم يعرف تلك الكلمات فهو مجبور بأن يتعلمها من خلال أغاني شادية وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وسيد مكاوي حين تطربه ألحان عبدالوهاب ورياض السنباطي وحينما يشاهد مسلسل الوسادة الخالية أو ليالي الحلمية ومسلسل المال والبنون وبوابة الحلواني
تلك هي مصر المحروسة بذكرياتها العطرة المختومة على قلوب وأرواح من زارها ومن لم يزرها فمن زارها فقد عشقها حين خالط أهلها بين جنبات جدرانها وترابها ومن لم يزرها فقد عايش أبنائها في بلده كمعلمين له زرعوا بداخله قيم العروبة وجعلوا من عينيه تبصر حرف الألف والآم والميم والحاء والراء والواو والسين والتاء المربوطة إنهم أبناء المحروسة الطيبين
حماك الله يا مصر وحفظ أبنائك من كل مكروه
بقلمي : السهاد البوسعيدي