كمن وقع من سفح جبل بين أنياب صخور حادة فتهشم رأسه كان يعلم سابقا بأنه يسوق نفسه بإتجاه الموت مع دوران عقارب الساعة في فصل الشتاء حاملا كفه بيده لم تمنعه برودة الطقس ولا عوامل التعرية الصخرية ، أنفاسه تتسارع وأفكاره تتلاطم كان من السهل جدا أن يحد شفرة السكين ويذبح بها نفسه ولكن رؤية ورائحة الدماء تزعجه فلا يرغب أن يموت مرتان مرة برؤية الدم ورائحته ومرة عندما تسحب روحه .



آثر الوقوع من سفح الجبل ، بعد أن إستعاد قوته أخذ يمشي شارد الذهن بخطوات متثاقلة فتارة يخيل له القبر بعدما يمكث به وحيدا وقد أهيل عليه التراب وفارق الأهل والأحباب فينتابه الخوف من ظلمة القبر ووحشته والوحدة التي يكون فيها إذ كيف يحلم بالجنة وهو قد مات منتحرا هيهات هيهات .
كان يحب شعبه فهو بالنسبة له سياج مملكته بأسرها يقف ينظر إلى مدينته المطلة على نهر اليانجستي في هوبي تلك المدينة الشهيرة في الصين عود نفسه كل صباح يحتسي الشاي الصيني وهو ينظر إلى قرص الشمس وهي تشرق لتملئ مدينة هوبي نورا وجمالا فكانت تمتزج جنة هوبي مع نور الشمس لمعان الفضة الخالصة وتمنح نهر اليانجستي بريق الماس المصقول فكان يشعر بغبطة وهو يرى شعبه على ضفاف نهر اليانجستي يمارسون اليوجا فهي بالنسبة لهم المتنفس الوحيد للتخلص من التوتر والضغط النفسي وكان هو يمارسها بتناغم جسمي وتخيل عقلي مع طريقة التنفس العميق . فقدانه لأميرته الصغيرة جعله شخصية مختلفة تماما وكأنه لبس ثوبا آخر لم يكن مقاسا عليه بدأت عليه ثورات الغضب الحاد ونوبات من الثمالة والسكر هكذا وجد نفسه بعد أن كانت تملئ عليه حياته بهجة وسعادة وقفت بجانبه كالزوبعة عندما كانت الدول تخطط على تمزيق عرشه سعت بكل إرادتها بأن تقف مع الجند وهم يتدربون على فنون القتال بكل أنواعه لم يثنيها المرض عن عزمها وإرادتها فكانت جدارا منيعا له يجابه الرياح العاتية رغم ما ظهر عليها في آخر لحظة من حياتها من علامات الذبول وإصفرار العين وإزرقاق الشفتين ومع ذلك كانت تستجلب طاقتها الداخلية وتصمد . ومع آخر لحظة من شهقات أنفاسها كانت مفترشة الأرض واضعة رأسها بصدره حتى غادرت الحياة حينها شعر بأنه لم يكن هو ذلك القائد المهاب ، فقبلها على جبينها المشرق وحملها بين ذراعية وطاف بها في مدينة هوبي على ضفاف اليانجستي والدموع منهمرة كالمطر من عينيه وكأنه لم يصدق بأنه قد فقد شيئا ثمينا في حياته . حينها قرر بأنه لا بقاء له بدونها فكانت أفكاره تستجلب الموت ليلحق بها فقاده تفكيره للسقوط من سفح الجبل ،نظر لهوبي مملكته وكأنه يودعها لآخر مرة قبل أن يموت ورفع رأسه إلى السماء مغمضا عينيه وما هي إلا برهة حتى سقط ضوء الشمس ولمع بعينيه وعندما فتحها تذكر كلماتها وهي تقول له :
أبي نظف دروب هوبي من كل لص وباغي وإختار شعبا صلبا محبا يحبك وتحبه عذوبة قلبه كالماء وهنا تعالت صرخاته :
سأختار أفراد شعبي وسأقفز بهم مع كل مرحلة عصر وعصرين في كل ساعة
إستعاد لحظة شروده العقلي وتذكر الواقع فأخذ يقول لهوبي وشعبه ونهر اليانجستي كما قال الشاعر محمود درويش :
سأختار أفراد شعبي، سأختاركم واحدا
واحدا .
كى تكونوا جديرين بى.. وأكون جديرًا بكم ..
سأمنحكم حق أن تخدمونى
وأن ترفعوا صورى فوق جدرانكم
وأن تشكروني لأنى رضيت بكم أمة لى..
سأمنحكم حق أن تتأملوا ملامح وجهي في
كل عام جديد ..


بقلمي : السهاد البوسعيدي