نشرة الأخبار

آخر المواضيع

الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

كيف يمكننا تطوير التعليم



يعتبر التعليم هو الركيزة الأولى والمنظومة الأكبر والمؤسسة الأكثر تأثيراً في واقعنا الاجتماعي الذي نحن نعيشه الآن وإنما من وجهة نظري أعتبر أن  درجة التأثير  من خلاله  وأيضا تغييره تعتمد  بكل قوة وثقة على قدرة المجتمعات  على أن تسعى لتتخيل النموذج المناسب لحياة تلك  المجتمعات والطريقة التي تعيشها.
أن مهمة التعليم متعارف عليها وبشكل استراتيجي هي  تسعى لبناء إنسان فاعل وكذلك متكيف ومتفاعل  في مجتمعه الذي يعيش فيه  سواء كان من حيث إنتمائه لهذا المجتمع أو من حيث الأداء  الذي هو يسعى لتحقيق طموحه من خلاله

وكذلك تحقيق التطلعات الثقافية والاجتماعية ، ولهذا ربما الآن أصبح من الصعب بكثير تصور الكيف الذي يجب أن يسير من خلالها ويتطوربها التعليم في المجتمعات
وبالطبع لا أعني مجتمع متقدم ذو مراكز مرموقه في جانبه التعليمي وإنما أعني  تلك التي لا تعمل أبدا على تطوير منظومتها و استراتيجياتها التربوية بشكل تستطيع من خلاله خلق التوافق مع المتطلبات الحضارية.
إن صناعة التعليم في مجتمعاتنا العربية  لن تتحرك ولن تمشي أبدا ولن تتغير مهما يكن ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو أن ما يتم فيها وبين أسوار قلاعها هو عمليات  لا تمت للتطوير بصلة بل إنها تعتبر من جانب آخر  حلول  شبه مؤقتة  في غالب الأحيان وهنا  تبدو لنا الأزمة الحقيقية للتعليم في كل المجتمعات العربية.
فليس لدينا أي  سؤال قد يبدو قابل للحل في جميع مؤسساتنا التربوية  بحيث يحدد الكيفية التي  نحن نبتغيها ونريد أن يكون عليها ذلك الفرد الذي نرغبه لمجتمعنا ليحقق لنا تنمية إقتصادية حقيقية ومستدامة بما لديه من كفائه  وإمكانات تقوده للإنتاجية  بعد أن يكون قد قضي اثني عشر عاماً  في مشوار حياته التعليمية سهر فيها وحفظ المقررات التي يمتحنها  عن طريق  مؤسساتنا، لهذا السبب  وللاسف الشديد تبقى مشكلاتنا التربوية بشكل مستمر دائمة الظهور وخصوصا عند إخفاقنا وفشلنا الذريع في عمليات التطوير التربوي الحقيقي الذي نسعى إليه .
إن الذي يتولى عملية تطوير التعليم لدينا في الدول العربية  وينظر إليه من خلال  ظهور مشكلاته القائمة وايضا من خلال  الواقع الحالي الذي نعايشه ويحاول أن يعمل  على تعديل ذلك الواقع بمسكنات  الألم سوف يبقى يدور في حلقة فارغة لا يتحرك خارج نطاقها دائرا يلهث في نفس المكان الذي يقف من قبل عليه وستغلبه  دائما عجلة الواقع  حتى يفقد أنفاسه فيسقط   أرضا من شدة التعب وكذلك الإنهاك كما حدث لفوج  كثير من  قياداتنا التربوية العربية السابقة والحالية  الذين  اصيبوا بصداع شديد في رأسهم حتى وهن جسمهم ونحل وأحرقتهم الرغبة  الدائمة والطموح الجارف في إحداث التغيير نحو الأفضل  ولكن الأسلوب الذي  رسموه وحددوه ومن خلاله انطلقوا منه لم يكن ربما  سليما.
لا بد أن نعي ونفهم بأنه عندما يخصص المجتمع المليارات يقتطعها لمهمة جسيمة وعملية ثقيلة ومسؤولية مشتركة الا وهي تحسين العملية التعليمية التعلمية  ليس الهدف  إنفاق وتحليل المال وليس الهدف هو العمل على أن تذوب هذه المليارات وتمزج وتتحلل مع واقع قديم دائما يعلم الكل  سلبياته، إن العملية التطويرية التي تقوم على سكب وتحليل وإذابة المشروعات  التي تقترح مع ميزانياتها مليارات  تعتبر للأسف  في واقع   الأمر إنما هي لا تختلف عن إذابة السكر في كأس مليء ومغمور مع الشاي الذ دائما يبدأ و ينتهي أثره بانتهاء تلك كمية السكر المذابة في الماء الذي لدينا.
إن أهم  قضية من قضايا تطوير تعليمنا هي تلك التي لم تكتمل فيها عناصرها  التعليمية

ولهذا  يجب أن أختار لكم  مثالاً مهماً حتى ندعم  ما  نقوله ونتحدث عنه وهنا أتحدث  بكل بساطة عن اختبار القياس والتقويم وهذا الإختبار  مماثل  لكثير من التجارب العالمية الذي تهدف إلى قياس التحصيل العالمي لدى الطلاب وفق  منهجية وآلية  كان من المفترض أنها قائمة ومعتمدة على  ما يسمى بالإدراك المعرفي وليس التلقين  الحفظي المعلوماتي.
هذا الاختبار  وللأسف الشديد ليس له أي أساس في أي مرحلة من مراحل عملياتنا التعليمية التعلمية وبمعنى أوضح وأدق هو بعيد كل البعد ومنفصل عن العملية التربوية حيث كما يلاحظه  بعض التربويون ينقسم إلى قسمين :

أحدهما قسم  لفظي وآخر لغوى وكذلك كمي يعتمد  بشكل أكبر على المواد العلمية، لذلك جعل هذا الاختبار شرط أساسي  ومعيار للقبول في جامعاتنا وبه يتم القضاء من حيث لا يعلمون على مستقبل الطالب بمجرد عدم توفيقه ونجاحه في اختبار كان منذ البداية لم يكن له أي تأسيس في جميع المراحل الدراسية وخصوصاً الجانب اللفظي منه. إذ كيف يطلب من طالب في الصف الثاني عشر حيث تشكل له مواد  كمواد الرياضيات وكذلك الفيزياء والكيمياء 21.4% من مجموع المواد التي يدرسها والبالغ عددها 14، أن يتفوق ويحصل على درجات  كبرى وتحصيل عالي في  مثل هذا الاختبار بينما هذه المواد  من جانب آخر لا تشكل سوى  نسبة متدنية ايضا من تحصيله
أليس ما نحن بصدده  مثار لسؤال مهم لاختبار يمكن وبكل تأكيد أن يحدد مستقبل وحياة هذا الطالب..؟.
في المرحلة الدنيا  وكذلك المتوسطة لا تزيد بالنسبة له نسبة المواد العلمية عن عشرين بالمائة، علما بأن المواد العلمية تستمر في  مدارس التعليم العام كمواد(العلوم والرياضيات) فقط إلى الصف  الحادي عشر وتضل لمدة تسع سنوات تشكل نسبة تتراوح بين 11% إلى 12% فقط ولا تتفرع إلا في الثلاث سنوات الأخيرة من سنوات التعليم حيث لا تزيد نسبتها عن 17% من مواد الدراسة الأخرى.
هنا فقط  مثال بسيط من أمثلة عملية التطوير التي خلقت لنا أزمة حقيقية وجديدة اكتشفتها بعض جامعاتنا العربية  فأصبحت هذه الجامعات تضع لها اختباراً تحصيلياً خاصاً بنفسها لأنها اكتشفت وجود خلل وشيئا ما في مثل هذه الاختبارات فمثلاً يحصل البعض من الطلاب على نسبة تقارب المائة في المائة في الصف الثاني عشر وعندما يأتي ويتقدم إلى اختبار القياس  يفاجئك  بأنه حصل على سبعين في المائة الا يسمى من وجهة نظرك  ذلك خلالاً حقيقاً قد يكون في شيئين :

أولها : إما في التعليم  وثانيها : قد يكون في  الاختبار  الذي قدم له
هل احدهما  هو ما يؤسس للآخر أم ماذا نعني ما يحصل ...!.
هذا ايضا يعتبر مثال بسيط لعملية تربوية  تعرفنا عليها من خلال السنوات الماضية  ومن خلال دكاترة الجامعات الذين يدرسون السنة الأولى بعد إنتهائهم من مدارس التعليم العام ليضعوا خطوتهم الأولى على أبواب الجامعة

حيث يعتبر هذا مدعاة في محاولة لتدارك أزمة تحصيلية نحن نعايشها ونقف عليها  ونجد  الكثير منها، وماذا كانت نتيجة هذا الترميم ؟
بالطبع النتيجة كانت هي فتح جبهة جديدة على المجتمع دون أن ندري.
ولكن للأسف الشديد بعد ان  اكتشفت مؤسسات التدريب أن هذا النوع من الاختبارات ليس له علاقة بالتعليم  ولا يمت له بصلة جاءت مرة أخرى لتثقل كاهل الأسرة ايضا بضرورة تدريب أبنائها على هذا النوع من الاختبار خارج أسوار  فصول الدراسة والتي كان ينبغي أن لا يوجد طالب يحتاج إلى مثل ذلك إذا أن المتوقع أن يكون أساس بناء هذا الاختبار موجود من بين صفحات و ثنايا مقرراتنا الدراسية وفي جميع المراحل.
أن الذي يعرف الاختبار ويعلمه جيدا يدرك أن أزمة هذا الاختبار انه اختبار قائم على الإستنباط بينما هو مطبق في جميع دول العالم ويعتمد على آليات متميزة قائمة على التفكير العقلي والعلاقات المنطقية.
  نحن لسنا ضد هذا الاختبار ولكن أود هنا أن أطرح سؤالاً لم أجد له  في عالمي أي تفسيراً حتى يومنا هذا كيف لطالب متفوق دراسياً أن يخفق في  مثل هذا الاختبار...! هل يكمن  الخلل في التعليم أم في الاختبار مجرد سؤال...؟
مرة أخرى أعود إلى القضية الأساسية بعد أن طرحنا أمثلة للإستشهاد بمثال أعود واذكر موضوع عمليات الترميم التي نقوم بها على اعتبار أنها من وجهة نظرنا عمليات تطوير ويبقى السؤال الحقيقي هو: (ماذا نريد من تعليمنا اليوم وفي هذا الوقت تحديدا..؟) المشكلة أخبركم فيها هي  أنه  لا احد يستطيع أن يجيب  على مثل هذا السؤال لأننا لازلنا نرى التعليم من زاوية الماضيونحن بحاجة إلى من يعرف المستقبل لكي يقودنا ويدلنا عليه.
إن التطوير التربوي ليس هو بتلك العملية إلإدارية البحته التي يضع فيها المسئول في مذكرته خططا إدارية وكذلك إعلامية وتدريبية، إن تطوير التعليم يعتبر فلسفة  ورؤية بعيدة المدى يجب أن نستطيع من خلالها نحن القائمين على العملية التعليمية  رسم صورة حية ومشرقة للمستقبل  حتى نرى فيها الفرد الذي نرغب في إنتاجه بعد  عدة سنوات قادمة .
ليكن في علم الجميع بأنه عندما يتم دفع المليارات لتطوير التعليم لم يكن  الهدف منه  هو الانفصال عن واقعنا الحالي للتعليم وبناء إستراتيجية   وزاوية جديدة ومسار لواقع جديد وبعقول تأتي  من خارج المؤسسة التربوية وبخبرات محلية ودولية وكذلك بمشاركة فاعلة من معظم المجتمعات  ومن يمثلها سواء كان ذلك من  جانب المختصين أو من جانب غيرهم بالإضافة ايضا إلى بناء علاقات فاعلة فقط مع الجامعات والمؤسسات التربوية حتى تستثمر إمكاناتها وقدراتها البحثية.
لا بد أن نعلم أن تعليمنا بهذه الصورة لن يتمكن من تحقيق وتلبية متطلبات سوق العمل لان ما  يتعلمه طلابنا في مؤسساتنا التربوية شئ  مغاير تماما لا يمت بصلة إلى   متطلبات سوق العمل فكل ما يعطى للطالب فقط هي مجرد معارف ليس من بينها تلك  المتطلبات الاجتماعية.
إننا عندما نحصل على الميزانيات الباهظة والكبيرة جدا لتطوير التعليم يجب أن لا يكون همنا وقضيتنا هي كيف ننفق بقدر ما يجب أن نعلم  بأن  قضيتنا (على ماذا ننفق أموالنا) إن برامج الترميم التربوي هذه لن تفيدنا مهما كانت غايتنا و مهما أنفقنا عليها أتعلمون لماذا؟

 لأنها سوف تذوب كما قلنا سابقا في ركام تربوي كما ذابت غيرها منذ عشرات السنين، وإنما البرامج التي غايتها التحديث هي التي سوف تبني لنا استراتيجيات منطقية ومنظمة  تساعدنا على إيجاد سياسات وقاعدة  متينة لجيلنا الجديد من خلال عملية مثلى وليس من خلال عملية كنا نحسبها تطوير وهي ليست كذلك.
لا بد أن نعلم جيدا بأن قضية تطوير التعليم قضية شائكة جدا ومعقدة ولكنها في نفس الوقت عملية من السهولة بمكان تحقيقها لو اعتمدت على أسس  مدروسة و منهجيات علمية سليمة  بحيث تبنى وتؤوسس إستراتيجية وسياسة  نحن نستطيع ايضا من خلالها تحقيق أهدافنا الاجتماعية ومتطلباتنا الثقافية.
 إننا الدول العربية بحاجة  ماسة إلى بناء هيكلة  مؤسسية يصنع بالمقام الأول المؤسسة ولا يعتمد دون ذلك على الأفراد فلا زال التعليم  طريقه متقطعا يفتقد لتحقيق متطلبات المجتمعات وما ينبغي أن تؤوسس له مع انه نصيب الأسد في الحصول  على اكبر قدر من الميزانية العامة لتلك الدول، وليبقى السؤال كما بدأنا لماذا حتى الآن لا يحقق التعليم ما يناسب ويقنع طموحاتنا الاجتماعية...؟.