للصباح نسمات مشرقة وللناس بسمات رائعة في هذا الوقت بالذات ولكن ليس الجميع ، نعتقد في قرارة أنفسنا بأننا شيء مختلف عن البعض وربما نحن نشبه البعض ونتأثر به . مع الأيام ومرور الزمن تتأثر حتى ملامح وجهنا فالبعض تمر عليه سنون من العمر كلما كبر صغر فتراه كأنه في ريعان شبابه لم يتغير سوى أنه تعدى الأربعين وشكله وملامحه وكأنه في ربيع العشرين ولكنه بعقل راجح وفكر متقد وحكمة بالغة ، والبعض الآخر كلما كبر كلما حفرت على شكله وهيئته ملامح الزمن وبانت لك قسماته أنه قد تجاوز جسر الأربعين وهو لم يتعدى حتى الثلاثين رغم طيشه وصغر عقله وقلة حكمته وخبرته في هذه الحياة . عندما شاهدته قبل عشر سنوات قابع على تلك الزاوية في ذلك المكتب الفخم كان منزويا منغلقا على نفسه وكانت ملامح الخجل تغطي تلك الملامح الهادئة من وجهه . من يراه للوهلة الأولى يظن أن به كبر أو غرور أو أنه ذلك المتكبر المتغطرس التي جعلت منه تلك الوظيفة وذلك الكرسي متعالياً. فتأخذ عنه ذلك الإنطباع بداخل قرارة نفسك وعندما تقترب منه وتجلس بجانبه لتتحدث عن مشكلات عملك التي أرهقتك تجده مستمعا جيدا منصتا إليك يحلل ما تقوله كلمة كلمة ويعطيك رأيه بحكمة وبصيرة وتكتشف في ذلك الوقت من خلال الوقوف بجانبك وتعاونه معك شخص مغاير عما تولدت إليك من فكرة عندما رأيته أمامك لأول مرة رغم أنه لم يتجاوز سن الثلاثين حينها بعد إلا أن حكمة كبار السن الحكماء العقلاء قد ألبسته فكراً يسبق سنه حيث كانت سبباً لتدرجه الوظيفي وتسلمه منصب تلو الآخر حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم
دخلت عليه منذ عشر سنوات بمكتبه وهو منهمك في الكتابة على الورق والأرقام سلمت عليه ورد عليها السلام دون أن يرفع رأسه للنظر إليها . مما أثار حينها غضبها عليه لظنها بأنه غرور ربما لفهمها بأن من شروط المستمع أن ينظر إلى المتحدث وهو يحاوره وما زالت هذه الفكرة راسخة بضفاف أفكارها فهي إن تحدثت والمستمع لم يلتفت لها لن تستطيع محاورته أو إتمام الحديث معه. وعندما رأت منه ذلك قالت له : عندما أخطابك أنظر إلي فأنا لا أتحدث لجدران مكتبك أو أثاثه . رفع رأسه وقال لها معتذرا : لقد سمعتك جيدا وأنتي تتحدثين . غضبت أكثر كيف سمعتني وأنت لم ترفع رأسك تارة تكح وتارة تصفف الورق وتلعب بالقلم قال لها : إستريحي واهدأي وريحي بالك سأطلب لك كوباً من الشاي تعجبت أكثر وبدأ يحل لها مشكلة المؤوسسة التي ترهقها وهي تشرب الشاي وهو على نفس العادة مطرقا رأسه وبعد أن إنتهت شكرته وقالت له : غير عادتك هذه فهذه العادة الكثير منا يظنها تكبر وغرور صرخ في وجهها بلطف وقال : ربما أنتي من يظن ذلك فليس كل الناس بهذا التفكير السيء ولأنها حساسة جداً خرجت الدمعة سريعا ونزلت من عينيها حتى أدارت له ظهرها وانصرفت. ركبت سيارتها لتعود لمؤسستها التي تعمل بها وهي تحلل ملامح وجهه التي تظهر عليها علامات الحزن الممزوج بطهر الحياء وجمال المحيا و تشعر بأنه ذلك الشخص الغامض الذي يخفي ملامحه شيء ما. ربما فعلا هي كانت مغرورة فهي لم تتعود أن لا ينظر إليها أحد عندما تتكلم وكانت بحاجة إلى شخص ما يكسر منها هذا الغرور وفجأة رن الجوال وإذا بالمتصل هو نفسه يقدم لها اعتذارا عما حدث . بدأت تعيد له سرد الحكاية وبدأ يقول لها إن هذه هي عادتي منذ أن كبرت وفهمت الحياة لا أنظر للفتيات فالأنثى بالنسبة لي عدوة الرجل زادت دهشتها وحيرتها وعلمت بأن هناك سرا غامض يخفيه بداخله جعله من يأخذ هذا الموقف من الأنثى . وبإصرار عجيب بدأت تفكر به فقد شعرت بأن هذه الزاوية هي زاويتها ومن عادتها إن أعجبت بشيء وصلت إليه منذ نعومة أظفارها . مرت ايام ولم تزره بمكتبه أو حتى تتصل إليه وكذلك هو . وفجأة وقعت بمشكلة ولم تجد سواه ملجأ بعد الله تعالى . أخذت تتصل به قرابة ثلاث أيام وكان هاتفه مغلق إتصلت على مكتبه فقيل لها أنه بإجازة وبعد ثلاث أيام كانت في المنزل مستلقية على سريرها فرن هاتف المنزل وإذا بالمتصل هو . قال لها وجدت رسالة على هاتفي تدل على إتصالك بدأت تحكي له ويستمع لها وهكذا مرت الأيام حين إلتقيا في حفلة موسيقية حينها بدأ كل منهم ينظر إلى الآخر مبتسما وكانا يتمنيا بأن لا تنتهي الحفلة في تلك الليلة . إنتهت للأسف الحفلة وذهب كل منهما في طريقه حال سبيله وهي تفكر به ويفكر بها وفي اليوم الثاني إتصل عليها قبيل المغرب ليأخذ رأيها في حفلة الأمس وكلمة مع كلمة همست بأجمل كلمة في العالم إنها كلمة" أحبك " حين قالها لها وكلمة " معجبة بك " حين قالتها له مضت عليه وعليها سنين طويلة حاولا فك التعلق الشديد ببعضهما رغم أن طريق حبهما وعلاقتهما لم يتفهمها الجميع فقد كانت مغروسة بأشواك الشك وسوء الظن وجابها تيار شديد من قبل الأسر لهذا الإرتباط و في مرة من المرات قررا أن يفترقا بسبب فقدان الأمل . ولكن العلاقة الطاهرة والحب الصادق هو من أعاد كلاهما للآخر . ومع القيود والظروف الشديدة قررا الإرتباط فتم الزواج رغم رضى البعض وعدم تقبل البعض ولكن عندما توجد الإرادة المصحوبة بصدق المشاعر لا تهزم . ما زال ذلك الشاب الأسطوري يدهشها رغم مرور فترة ليست بالطويلة من زواجهما لقد شعرت الأنثى بأنها مازالت فتاة العشرين عاما لم تتغير ملامحها ولم يحفر الزمن على وجهها فعاطفتها ممزوجة بحبه وقلبها لا ينبض بسواه وأينما ذهبت واتجهت يسكن بداخل عينيها أغمضت عينيها فجأة وسألته : " هل ما زلت عدو المرأة كما كنت تدعي "
أمسك براحة يدها ونظر لعينها وأبتسم وهو يقول : " أنتي جعلتني أحب المرأة وأتعلق بها "
نظرت له بدهشة ولمح على وجهها الغيرة والغضب قائلا لها : أتعلمين لماذا ؟
قالت له : لماذا ؟
أجابها: لأنه لا توجد نساء بالعالم في الدنيا سواك فأنتي الأنثى الوحيدة التي نظرت لها وعادت لي حياتي " أنتي فقط صورتك مرسومة بكل جارحة من جوارحي حتى سطعت على لٌجين الماء فأرتوي من ظمأي حين أراك ِ
بقلمي : السُهاد البوسعيدي