نشرة الأخبار

آخر المواضيع

الجمعة، 16 ديسمبر 2011

ثوّارٌ بلا قضيّة!

ثوّارٌ بلا قضيّة!
د. خالد المنيف


في إحدى غابات الصين يُذكر عن شجرة أنها عاشت مئات السنين، وقد أضحت من أعظم الأشجار وأطولها، وقد واجهت على مدى مئات الأعوام جملة من المصاعب، حيث الرياح العاتية والعواصف المدمرة والصواعق الحارقة، وعلى الرغم من كل هذه الكوارث بقيت صامدة واقفة بكل شموخ وكبرياء... كالجبل الأشم وكالطود الثابت لم يتحرك لها غصن ولم يتزحزح فيها جذر، ثم فجأة قُوبلت بهجوم ضارٍ من صغار الحشرات وهوامِّ الأرض فلم تزل بها نخرًا وقرضًا حتى نالت منها وأسقطتها!
وكثير من البشر حاله كحال تلك الشجرة؛ تجده ثابتًا صلبًا شامخًا أمام عظيم المصائب وجليل الرزايا، ولكنه -وبكل ببساطة- تراه يُستدرج من قبل توافه الأمور وصغائرها حتى تقضي على راحته وتجهز على سعادته!
حكت لي إحدى قريباتي وهي (القويّة الصّلبة) كيف أن مزاجها تعكّر، وليلها طال، وهمّها عظم؛ كونها لم تُوفَّق في اختيار (بلوزة) لطفلتها بنفس درجة لون البنطال في إحدى المناسبات!
وثانية قد تلاعب بها القلق، وكاد يجهز عليها الهمّ فقط لأنها في إحدى المناسبات نسيت مسح أحد الفناجين فقدّمته (مبلّلاً) للضيوف!
إن الإشكالية التي يعاني منها الكثير لا تكمن في المشكلات المعقدة ولا في العقبات الكؤود، بل هي في دقيق الأمور وصغائرها.. فتلك كلمة زلّ بها، وذاك تصرُّف لم يُوفَّق إليه، وهذه قد زاد وزنها قليلاً، وأخرى طفلها تصرف بشقاوة زائدة عند الضيوف، أو زوجها تأخّر عليها دقائق، وهذا زوج لم يجهّز شماغه أو أزعجه صغيره!.. أمور لو تأمّل فيها الإنسان لعرف أنها لا تستحقّ منّا كل تلك الآلام والمتاعب والسهر والضيق، فما أروع أن نتجاوز سفاسف الأمور وصغائرها لنحمي حياتنا من التوتر والضغوطات ونعيش حياة عابقة بالفرح والسعادة.
وللتخلّص من أسر تلك الصغائر وقيد هذه التوافه إليك توجيهات جميلة ستخفف عليك الأحمال، وتقلّل الكثير من التوتر في حياتك بإذن الله:
1- أخي الكريم أختي الكريمة، ماذا يعني إن أسأت التصرف في موقف ما أو أسأت لشخص من غير قصد وجانبك التوفيق في مشروع ما؟!
عُد لطبيعتك البشرية، وتذكّر أنك بشر قد جُبلت على الخطأ، ولن تنفكّ عنه، واعلمْ أنك عندما تعلي مقاييسك، وتبالغ في طلب المثالية، سواء على الصعيد الشخصي أو العام فإنك تخوض بهذا معركة خاسرة ستفقد معها نعمة الشعور بالرضا والقبول، فتخلّص من عقدة الكمال في الحياة حتى تبصر مواطن الجمال فيها.
2- إن الشخص الذي يتعاطى مع توافه الأمور وصغائر الأحداث بتوتّر وانفعال يجني على نفسه جناية عظيمة؛ إذ إنه أقرب ما يكون إلى الشخص الذي يفتت نفسه جزءًا جزءًا، ويسقيها السمّ القاتل قطرة قطرة حتى يستيقظ في ذلك اليوم وقد أفنى روحه، واستنزف كل طاقته وعرّضها للانهيار الكامل، لذا فإن الثمن الباهظ لأسر تلك الصغائر هو الحرمان من سحر الحياة وجمالها.
3- لا تظنّ -وفّقك الله- أنك شاغل الناس وحديث المجالس وبؤرة تركيز البشر يعدّون أخطاءك؛ فلست مركز الكون، وتذكّرْ أن الناس في شغل عن التفكير بأخطائك وزلاّتك وإحصاء أنفاسك ومراقبة تحرّكاتك، لذا فقرَّ عينًا، ونمْ ساكن البال عندما يصدر منك خطأ، فلدى البشر ما يشغلهم عن متابعة أخطائك أو الحديث عنها، وتذكّر أن الدعوة لعدم الالتفات للصغائر لا يعني عدم الانتباه للأخطاء واستدراك مواطن التقصير إنما يجب أن يُتعاطى معها بتؤدة وهدوء دون توتّر وانفعال.
4- إن الهوس والتعلق بنظرية (إنجاز كل شيء) سيفضي بك أخيرًا إلى ألاّ تنجز شيئًا؛ فسِرُّ الحياة الجميلة ليس في إنجاز كل شيء، وإنما تكمن في الاستمتاع بكل خطوة تقوم بها.
5- إن الأحداث الماضية والاستغراق في الحديث عنها -وإن كانت عظيمة- فهي تصنف ضمن توافه الأمور وصغائرها، فلا تسترسلْ في التفكير؛ حتى لا تعطّل قدراتك، وتذهل معها عن الاستمتاع بالحاضر والتخطيط للمستقبل.
6- طبّق إستراتيجية ما يُسمّى (بفلتر الزمن)، وتأكد أن أغلب الأشياء التي تزعجك الآن لن تشغل أي حيز في تفكيرك بعد سنة؛ فتسامح مع كل خطأ أو زلة أو ألم، فسيصبح قريبًا مجرّد ذكرى، فلا تجاهد في غير عدوّ، ولا تكن ثائرًا بلا قضيّة.
ومضة قلم: لست بحاجة إلى سبب كي تستمتع بالشعور الحسن.