نشرة الأخبار

آخر المواضيع

الأحد، 29 أبريل 2012

بقلمي : وطن على خط الأفق




بقلمي :  وطن على خط الأفق نشرت اليوم بأشرعة الوطن الثقافية

لبس عبائته وحمل عصاه سحب الباب بيده بعد ان أدار لها ظهره ولم ينبس ببنت شفه شعر بأن أيامه تجري والفرحة بداخله تسرقها منه الليالي الحزينة حاولت هي أن تتبعه حين أمسكت بقبضة عصاه التي دائماً يفخر بها لقد ورثها من أبيه كما ورثها أبيه عن جده فتوارثتها عائلة بأكملها فهم يتفائلون بها ظنا منهم بأنها تجلب لهم الحظ
جرت خلفه وفجأة وقفت عله يراجع نفسه بشأنها ، تعرفت عليه حين كانت تعمل مع والده في مكتب سفريات إستكهولم تذكرت وقتها الدهشة في عينيه حين رآها فتخيلها فتاة أحلامه التي فوق الغيوم ظل يرسمها بريشة الفنان ويتصورها في جميع الألوان عدا اللون الأسود كل لوحة منه كانت تحمل توقيعا كتب اسفله بنت عمري حتى ان رنة قدميها حين يسمع صدى خطواتها يشعر بأن كل الغيوم لها تتساقط بقطرات تداعب شرايينه لقد نسي يومها الغربة حين عرفها وبدأت له يومها على تلك الزاوية من خط الأفق بأنها هي الوطن الذي إحتضنه على ارض المهجر بدأ على وجهها يرسم كل أقداره وعناوينه لقد تمنى في إستكهولم بالذات أن تكون هي ذلك الفجر الواعد الذي يطفئ لهب الغربة التي تثور براكينها بداخل صدره حين يبكي ويتنهد شوقا إلى تراب بلده الطاهر من حيفا وعكا ورائحة طهر النواعم في يافا كأسطورة أندرو ميدا حبيبة برسيوس اليوناني حين رسمها الرسام بخياله الواسع فتقافز قلبه إلى تلك الهضبة الخضراء عروس فلسطين الجميلة التي تتوسطها مياه البحر كالرأس الكبير المرتفع ولكن سرعان ما يبدأ لحظة من السكينة والهدوء حين يراها تتمايل أمامه واثقة الخطى فتشعره بأنها هي ذلك الوطن الدافئ الذي سكنت بداخله فأنسته وحشة الغربة من أفق وطنه فيسبح معها بخياله الكبير في أجواء تشرينية راقصة تحت المطر على مرفأ يافا الساحرة في شهور نيسان ورغم أنه يعيش الحلم إلا أنه يبدو له وكأنه واقع يستمر معه كل الأوقات متناسيا برد أستكهولم وتراكم الثلوج في بعض جنباتها الساحرة حين تكون معه فعاش أربعون عاما من الغربة في إستكهولم وكأنها أربعمائة عام مرت عليه من الحزن والم الغربة والشوق إلى ذلك الوطن البعيد الأفق وهو يلبس ثوب الغربة التي يمزقه الحزن والحنين يشعر وكأنه محبوس الأنفاس يلتحف في نومه بلحاف البرد ويسكن بداخل عينيه الكابوس فتختلط عليه قدسية الكلمة مع حرارة الدمعة حين يتذكر كرم الزيتون وعناقيد العنب في بلد من تين تفاصيله اقرب إليه من بوصلة العين مفتوحة نوافذه وسرعان ما يواري حزن الذكريات في تلك الأسوار العالية حين يهرب من ضجيج صمته منزويا خارج البيت هاربا من ملامح الخوف والذكريات كطفل هرب من أمه وأوطانه
ورغم عشقه لوطنه المتواري خلف الأفق لم تستطع أن تنسيه ترابه وقداسته فكل شيء جميل تتخلله الذكرى حتى كؤوس الشاي وفناجين القهوة بدت له رائحتها كرائحة وطن إستطعم الخبزة وعرف ماذا تعني لعربي عرف الحرية وعشق الكرامة وردد المواويل لأجل الارض حين كتب كلماتها بدمه وصبغها بلون الدم على الورق وهو يهمس أمام طوفان ذكرياته بعروبة المحب لوطنه ومواطن يحاول تجاوز مآسيه وهو يتفاخر بماضيه كانت أمامه تقف بكل ما أوتيت من كيد وقوة تملكها نساء حواء أن تجعل منه نسخة مختومة بهوية غير هويته وإسما مغايرا عن إسمه متناسيا دم العربي وعروبته وكادت أن تجرفه في تيار الغربة حتى كادت أن تنسيه وطنا عربيا ملتحفا بخارطة العالم فكان مجرد صوت لا يسمع منه سوى حشرجة وبحة وهي ومن حولها يطبل ويزمر وكأن الحرية لم تكفل إلا لسواها ،ومن هنا بدأ يفقد إبتسامة وجهه المشرقة ويرى بأن كل الوجوه من حوله أقنعة من ورق سقطت على مستنقعات ضحلة ولأنه إنسان حر بدأ يخرج من التابوت الذي زرعته فيه وبدأت الحياة تدب في شرايينه مرة أخرى ويستشعر بأن القدر يحاول ان يعلن كلمته الأخيرة في تاريخ البشر دون تهويد لهوية عربية ليس لها علاقة بقنابل ومدافع  أو بنظرية في كتاب في عصر توضع بين الرفوف او حتى بكلمات اغنية تغتال بالأغاني وتقرع لها الدفوف لقد تحول من جماد ورماد إلى شمعة تضيء الطريق لكل عربي رافضا ان يكون تمثالا ينحني فشعر بصرخة طفل جائع يبحث عن كسرة خبز حين أطلق صرخته الأخيرة أنا حر عشقت الارض خرجت من تابوت وطن توارى خلف الأفق إلى وطن لن يموت .

بقلمي : السهاد البوسعيدي