نشرة الأخبار

آخر المواضيع

الاثنين، 14 مايو 2012

بكاء على كوكب زحل





أعلنها صراحة أمامها في لحظة إنكسار واستسلام قائلا لها : لقد فقدت أعصابي يا شريفة بسبب حلم طائش ساعديني على تجاوز المحنة لقد إنهزمت امام تفاصيلك البسيطة افترش حزني إن حديثي مع كل خلية في جسدي يا شريفة هي أطول مما تتوقعين حتى سولت لي نفسي بفقع قزحية عيني عقابا لي لكي لا ارى سواك مرة أخرى ، ولكن بلحظة تذكرت بأن جمالا كجمالك حرام بأن يغيب لحظة عن ناظري بعد اليوم ، ًهل لديك متسع من الوقت يا شريفة لتسمعيني ؟، بلحظة شعرت شريفة بأن حواره ما هو سوى مفترق لطريق السافلين ، نظرت إليه متظاهرة بقوة الأنثى التي داست على عاطفتها لتختزل وقتها بعيدا عن عالم الارض مبتدأة حياة أخرى على كوكب زحل ، وحتى لا تسقط دمعة من عينيها أمامه سحبت نفسا عميقا مصحوبا بإبتسامة لم يستطع ترجمتها ، وجلست على الأريكة وكأنها تشعل أطراف النهايات على نوافذ أغلقت بإحكام بعيدا عن عين العاصفة حين فاجأته بقولها تعبت مساماتي من رجل يغرق في الملذات ، لقد بكا ليلي على خاصرته وجعا من صراخ طفلين ينتظران والدهما وحمى احدهما مرتفعة وصراخ الآخر يتلوى جوعا ، تعبت أنثى شرقية تجوب شوارع فوكلاند تحمل طفلين بمنتصف الليل باحثة عن طبيب حتى كاد جسدها تنهشه كلاب الشوارع وخنازير ستانلي الفوكلندية دون ان تملك جنيها فوكلنديا بيدها لقد جعلتني في جسد العذابات ، نظر إليها بقلب ارهقه الألم بعد ان تعب من الوقوف لنصف ساعة واسند جسمه على عامود بوسط صالة الجلوس بينما هي تحدث نفسها في ذهول فلم يحتمل ان يقف ربع ساعة هكذا ، فكيف بمن كانت تقف لساعات طويلة تغسل صحون المطاعم في الفنادق من اجل تربية أطفالها وتكملة دراستهم ، تلك هي ام نذرت نفسها بأن تسخرها لإبنائها فقط ، وفي اللحظة التي رفع فيها رأسه سبقه بصره لصورة كانت تعلق على الجدار لم يشعر إلا عيناه قد غرقت بدمع الحسرة والندم حين شعر بأنه ضيع أوقات قضاها بعيدا عن إبنه وابنته ممتهنا كرامته يرقص على أجساد الساقطات ، أخذ يقترب من الصورة فوقف حائرا يسترجع الذكريات قبل خمسة عشر عاما حين دخل عليها الغرفة وهي نائمة بمنتصف الليل تفوح منه رائحة الخمر معربدا يطلب العشاء ومن صراخه أيقظ أطفاله من ألذ نومتهم ، حاصره الندم حين استرجع الماضي لحظة ان إنهال عليها ضربا عندما نطقت بشفاه يتيمة لا يوجد ما نأكله وقفت شريفة تسحب أنفاس الغربة لتنظر إليه وهو يعيش الألم حين نزلت منها الدمعة التي حاولت مكابرة أن تخفيها ، لقد نظر إليها مطرقا رأسه وهو يقول : إنني كنت ميتا بلى إحساس ، وعلى غير موعد دخلت نسرين تعلن بصوت سرقته !!ليالي اليتم لتجيبه : من الأفضل إذا أن نستخرج لك شهادة وفاة
نزل كلامه عليها كصاعقة دمرت ما تبقى من نصفه الآخر كرجل له كبريائه ، وبلحظة ذهول طلبت منها والدتها ان تصمت ، لكنها صرخت مقاطعة وهل تظنيني يا أمي اني استطيه كتمان صوتي ؟ ام أن جرحي من غيابه التئم ؟ دعي يوسف يتكلم او جوزيف كما يناديه الفوكلنديون بلغتهم أمي ، لقد دوى بكاء فتاة تنتحب كل ركن من زوايا المنزل تسترجع ذكرى طفلة في الخامسة من عمرها يغمرها جدول من الحزن في لحظة يتم ، غيبت ملامح اب غارق في مستنقع الخطيئة في غربة أدخلتها فصل الخريف قبل اوانها ، وفي هذيان طفلة كادت ذكرياتها تسقطها أرضا وكعادته يوسف او جوزيف امسك بها محتضا آلامها مضمدا جراحها النازفة رغم ان كيانه يتألم كعربي مسلم عاش في بلد غير بلده رأى والده تجرفه ملذات بلد غربي تسحبه في حاناتها ، وقف يتأمل الثلاثة معا بلحظة إنكسار وخيبة امل ، وكأن الزمن غدر به حين لم يصارحه بردة فعل عائلته عند رؤيته لهم بعد سنين من الغياب ، هز يوسف رأسه بكبرياء امام والده مقطبا حاجبيه يمشي كطفل في بداية خطواته ممسكا بكتف أمه وأخته كرجل أرهقه الصمت فأصبح السكوت من طبعه ، حينها قال والده : لقد تعدى جرحي صرختي فاغفريها لي يا شريفة ، وهو لم يدرك بأن نسرين في إعياء وكأن التصدي لها اكبر من الآهات وهي في صراخها تتشنج حين بترت من لسانها كلمة ابي لتعلن بأن جرحها ولد لحظة ان رأته قبل ساعة ، حاول ان يذكرها بتلك الطفلة التي يلعب معها لحظة عودته للمنزل لقد مزقتها ذكريات الطفولة فلم تعد تتذكر غير شواطئ المستحيل بلحظة يتم خيم فيه على عالمها اليأس ، كان يتمنى ان ترحمه شريفة فتتقمص دور ملاك الرحمة او القاضي الرحيم مدافعة عنه امام أبنائها ، ان نسرين تحاول غسل ما بداخلها كفتاة غضة تتمنى ان تريح نفسها لترميها على أحضان اب سجنته الدنيا عن عينيها سنين طويلة ولكن طبعها ان تخرج ما بداخلها ، فقلبها يدمي على أنفاس محكمة الحياة حين باغتته بطعنة اخرى لوكانت بخنجر لاحتملها حين قالت له : لي صديقة والدها احن علي من نسيم البحر منذ ان كنت طفلة اذكره يقول يا ابنتي متى أراك عروسا على ضوء القمر تزفين لبيت زوجك ؟ شعر بأن أسرته التي كان بعيدا عنه لم تكن تعيش في غربة فقد بنت لهم شريفة قصرا على كوكب الزهرة يضيء بالمحبة وأن الغربة هو من كان يمشي عليها ويسكن فيها حين تخيل بأنه يسكن قصرا على كوكب زحل لحظة تخليه عن هويته واستبدالها بهوية غربية ومزق جواز سفره وسفر زوجته فحكم عليهاان تعيش خلف أسوار يملأها الحزن فتشرق عليها الشمس دون ان تتنفس رائحة الوطن أحست شريفة بدخلته عليهم بحنين لوطنها تخيلت نكهة القهوة ولذتها فأبحرت في عالم ليس فيه حدود جغرافية للمكان حين تذكرت منزل والدها بلبنان وهي تجلس على الشرفة المطلة للبحر بعد صلاة المغرب حيث تجتمع العائلة على ضوء القمر في نسمات الجو الباردة ورائحة البن والقهوة تعطر أجواء المكان وفي لحظة ملامسة الشفاه للفنجان يجلجل صوت فيروزي بمطاعم الروشة بلبنان لا يسكتها الا رائحة الخزامى تعطر المكان وآخر جرعة من قطرات القهوة المتبقية في الفنجان شعر يوسف ونسرين بخوف شديد على والدتهما حين لبست ثوب الصمت تحدق بعينيها دون ان ترمش على منظر البحر بلبنان في تلك الصورة من الحائط التي تقابلها سيناريوهات من الزمن ، إن ما مر على شريفة في تلك اللحظة جعلها تشعر بأنها ارتكبت خطيئة بحق نفسها حين قبلت بصلاح زوجا ان نفسه الخبيثة على النقيض من اسمه فهو اسم على غير مسمى معجون بدم الغواية خدعها بعبارات الحب الزائفة واستغل قلبها كأي أنثى متعطشة لكلام الغزل كان حلمها ان تخرج لأي دولة خارج لبنان لتكتشف ماذا يوجد في آخر العالم ، لقد صادف قدرها بأن صلاح يستعد للسفر بحثا عن العمل وسيأخذها معه الى فوكلاند حينها فرحة العروس انستها حضن والدتها وابتسامة أبيها والقهوة العذبة في لبنان ، تاهت في عالم من الأحلام حدوده على ميناء سان كارلوس ونهايته بمرتفعات ويكهام وجبل اسبورن حزمت حقائبها معلنة الرحيل فقلبها لم يعد يتسع لحظات الانتظار فتلك فرصة لا تأتي غير مرة واحدة في العمر لم تنسى لحظة وصولها لتلك الأرخبيل الفوكلندية حين استقبلتهم فتاة بملامح شقراء وعينان خضر ما ان شاهدتها حتى بدأ خيالها يتشتت وما ان لمحت ابتسامة صلاح حتى هدأت واطمأنت لم تستطع نسيان تلك اللحظات حين اصبحت أم لطفلين ارتبطت مشاعرها بهما لقد اصبحا يؤنساها في وحدتها الصامتة الخالية من اي روح سوى روحيهما ، فمنذ الشهر الاول لوصولهما بدأ غيابه عنها بحجة العمل وهي صابرة في انتظاره من اجل ان تقوم بواجبات زوجة عربية تربت على قيم احترام الحياة الزوجية ، وفي لحظة من الانتظار الصعبة علمت بزواجه من تلك الفتاة البريطانية الشقراء فقط اصبحت كمن تلقى صدمة قوية صفعتها وبددت أحلامها، وحين طال بها الوقت واليأس فكرت بالعودة لأهلها فلم تجد جواز سفرها ، حينها فقط غادرت روحها الحياة وتلمست الواقع من الخيال حين بدت رحلتها مع الحرمان تبحث عن عمل لتستطيع العيش في غربة بعيدا عن الأهل ، عملت في غسل الصحون لسنتين ثم في وكالة السيارات المستعملة تقوم بتنظيف المكتب وخدمة الزبائن لمدة اربع ة سنوات اكتسبت خلالها خبرة لا بأس بها فقررت بنفسها ان تخوض تلك التجربة وحين لمس صاحب الوكالة حنكتها في مجال البيع عينها مندوبة مبيعات لديه ، وعندما أرادت ان تفتح مكتبها وقف بجانبها كنوع من رد الجميل ، ومع مضي أيامها امتلكت شريفة اكبر وكالة لبيع السيارات بفوكلند انستها سنين من الغربة والعذاب مع زوج حطم أحلامها وجعلها تدوس على قلبها وحتى مشاعرها ، بقيت رغبة الحب وطريق الحلم تحتضن به أطفالها ، حولتها الأيام والغربة وظروفها القاسية الى بقايا أنثى اشد من الماء في حزنها وقسوتها، و في تلك الأثناء أدرك صلاح بأن عودته لأسرته أصبحت ما هي سوى أبواب احكم إغلاقها ، لقد اختار ميعاده بدون فصول ، ظل حائرا ينظر اليهم منتظرا جوابهم لعله يرق قلب احدهم عليه ويخشع لكن شريفة باغتته حين رأت ارتعاش يديه وزرقة شفتيه يوغلها صمت الأنثى في حين يعلوها بكاء رجل ميت الإحساس وهي تشير إليه بالعودة إلى كوكب زحل يحمله عاره تحت سماء بعيدة ، فالأيام لن تنسيها إحساس الارملة رغم وجود الزوج ، ولا بكاء اليتامى رغم وجود الأب ، لحظة مرور ايامها في غربة من الروح قبل غربة الوطن ، فما عادت الزهرة بسذاجة فتاة مراهقه تحركها دمعة رجل ورعشة شفتيه يحاول ان يسكنها ببكائه كوكب زحل




نشرت بجريدة الوطن ملحق أشرعة الثقافي يوم الأحد 13/5/2012م




ًبقلمي : السهاد البوسعيدي