نشرة الأخبار

آخر المواضيع

السبت، 15 ديسمبر 2012

مسافر بدون هوية ( وجع في خاصرة الليل ) مسافر دون هوية ( وجع في خاصرة الليل )

 

 

ماذا يحصل في تايلند أو بالأحرى بانكوك عند البعض من فضلك تابع المقال لنهايته ، نشر اليوم الأحد 9/12/2012 بأشرعة الوطن الثقافية العنوان : مسافر بدون هوية ( وجع في خاصرة الليل ) مسافر دون هوية ( وجع في خاصرة الليل ) كان الهاجس يؤرقه طوال الليل ، لم يستطع أن ينام في فراشه الوثير ، قلبه كان حزين وبين الفينة والأخرى كان يضع كفه على جبهتها يتلمس حرارتها المرتفعة ،إنه يفضل الموت على الحياة ، لقد تزوجها بعد إصرار منه بأن لا يرتبط بغيرها لم يستطيع نسيان تلك الليلة التي كانت فيها السماء تبرق و صوت الرعد يدوي الأرض وهو يقف أمام ثورة والده وغضبه حين عارض زواجه منها فأراد تزويجه بفتاة غيرها ، لقد قال له : إختر أي فتاة غير خولة فهي إبنة عدوي الذي سرق ميراثي وعاملني كعبد أجير يعمل معه ، لن أقبل أن تكون خولة أما لأحفادي وأشترك مع والدها في لقب الجد من الأحفاد ، لكنه صرخ مقاطعا والده وهو يقول : إنها ابنة عمي يا أبي ولا بديل لي عنها ، ماء عينيه كان كجمر يحرق المقل عندما بكى حين رفض والده تزويجه بها ، لقد عاش خالد مع عمه والد خوله منذ أن توفت والدته ، لقد إحتضنته زوجة عمه مع ابنتها خوله وأسلست عليه الأمان وأغدقته حبا وحنان كان كل يوم يكبر فيه ويمر عليه يزداد تعلقه بخوله ويزداد كذلك إرتباطا ، بها إن خولة كانت أرق من النسيم العليل إن ضحكت تبدو أسنانها كشعاع لؤلؤ عكست عليه الشمس نورها فيزداد بريقه ، وعندما توفى جد خالد إختلف والده مع عمه على قسمة الميراث ، وعاش ابو خالد الفقر والذل والحرمان بسبب ظلم أخيه عندما استولى والد خوله على الميراث بأكمله ، لقد تسببت لعنة الميراث في قطع أواصر الرحم والقربى فإفترق الأخوة بعد أن ظلم الأخ أخاه وحرمه من حقه في ميراث والده الشرعي ، فقرر ابو خالد الرحيل والبحث عن عمل ، ولكن ابو خوله رفض رحيل أخيه ليس حبا فيه ولكن خوفا من أن يجد في مكان آخر فرصة وطريقا للعمل والغنى ويصبح أفضل منه ، ظل يفكر في طريقة تجعل من أخيه كما هو فخطرت له فكرة بقائه بقريتهم بعد أن قال له : ستعمل عندي في المزرعة وسأعطيك اجرك نهاية كل شهر . لم يستطع ابو خالد أن يرفض عرض أخيه فلقد كان الأمل يلوح له يده مبتسما بأن يراجع ابو خولة نفسه ويعطيه نصيبه من ميراث والده فقرر البقاء . بدأ ابو خالد العمل في المزرعة وهو سعيد ، إن ترابها كان مصطبغا بعرق والده الذي كان يتساقط من جبهته وهو يرويها بكفاح سنين طوال ، رغم الأجرة البسيطة التي كان يتقاضها من أخيه والد خوله ، وفي تلك اللحظة فوجئء أبو خالد بتصرف أخيه عندما قال له : خذ إبنك معك إن أم خولة تتعب في عمل المنزل ولا وقت لديها لترعاه فأعتني به بنفسك ، لقد أذابت أم خوله الدموع عينيها فقد أحبت خالد وكأنه ولدها وتعلقت به ، حاولت أن تصلح بين الأخوة لعل الله أن يهديهما ولكن دون جدوى أو أي فائدة تذكر . وبقي قلب أم خولة ينزف دما على فراق خالد . لقد حرمها الزمن قبلها من أبو خالد وهي في عز شبابها تحلم بزواجها منه حين أحبها وأحبته ، وحين شعر ابو خولة بقرار أخيه للتقدم بطلب يدها أنانيتة جعلت منه يسبق أخيه ابو خوله و يخطبها قبل أن يذهب لوالدها ليطلب يدها للزواج ، إن عادته السيئة في أخذ ما ليس له وما في يد غيره جعلته يرتبط بها فأصبحت بذلك أم خوله زوجتة بدلا من أن تكون زوجة لاخيه ، فعاشت العذاب مرتين ، مرة حين حرمت من أبو خالد والثانية حرمانها من خالد نفسه . إن وجود خالد الطفل بعد وفاة والدته بأحضانها أنساها حرمانه من والده فكانت كلما نظرت إليه تذكرت ماضي كانت تسجنه باعماقها يؤرقها الليل والنهار فعاشت صامتة بعد أن حرمتها الاقدار ممن تحب وغدرت بها الأيام والسنين . كان أبو خالد دائما يجد سلوته في مزرعة والده وهو يحرثها مراقبا الشجر وهو ينمو مع مرور الوقت ، إن صوت العصافير كانت بالنسبة له طمأنة لتهدأ نفسه وينسى الألم ، وخرير الماء في السواقي يصبره فقدان زوجته أم خالد ، لقد أراد ابو خالد أن يمنع إراقة الدم بينه وبين أخيه ابو خوله فلا يزال يذكر ايام طفولته مع أخيه وهو صغير في تلك القرية الواقعة بين تخوم الجبال ، ذكريات بينه وبين أخيه يسترجعها عندما كان صوت الطفولة يناديه ، إن ابو خولة منذ صغره كان يحاول أخذ كل شيء يريده حتى لو لم يحتاج إليه من اخيه ومن أبناء الجيران ايضا فاعتادت نفسه على الطمع والجشع ، لذلك كان يخشى من أن تحمل زوجته وتنجب له الولد خشية أن يسلبه الولد من كل شيء ويجرده مما يملك ، ولكنه إطمأن عندما علم بأن المولود القادم أنثى ، إن الأنانية التي عاشها واعتادها كانت مسيطرة عليه ، لقد كان ابو خالد وهو بالمزرعة يرقب الأطفال وهم يحملون حقائبهم كل صباح يذهبون إلى المدرسة وكان يحلم أن يلحق خالد بهم ويكون ممن يحملون الحقيبة من بين هؤلاء الأطفال ، فذهب إلى المدرسة وقام بتسجيل خالد فيها ، كان خالد تواقا للعلم محبا للقراءة ، قلبه يمتلئ إحساسا وشاعرية ، لذلك كان يجيد كتابة الشعر والقصيدة ويسبك لغة الكلام ويحيك من احرف الأبجدية عبارات جميلة يصوغها ليقدمها هدية لخولة .وبعد ان علمت والدة خولة بأن خالد إلتحق بالمدرسة إستطاعت ان تقنع زوجها بذهاب خولة للمدرسة أيضا بحجة أن التعليم يعتبر فرصة سانحة لإبنتهم وان أبناء العائلات الملكية والطبقة الأرستقراطية جميعهم يلحقون أبنائهم وبناتهم بالمدارس ولا يتزوجون سوى المتعلمات، وافق والد خولة تحت إصرار زوجته ، فما ذنب تلك اليمامة الجميلة ليرفض دخولها إلى المدرسة وتتنفس رائحة التعليم والكتابة ، مرت ايام طوال كان ابو خالد يعاني من طلبات خالد واحتياجاته المدرسية ، وفي كل مرة كان يقول لنفسه : سوف أدعه يعمل معي يساعدني في المزرعة فما عادت صحتي كما مضت ، ولكن شيئا ما كان يوقفه ويصرخ بداخله بأن يدعه يواصل تعليمه . لقد ظل خالد فترة من ساعات طوال ينتظر خولة وهي عائدة من مدرستها ليحظى بنظرة منها ، لم يستطع أن يبصر النور إلا من عينيها ، لقد رأت خولة وهي عائدة من المدرسة خالد وهو يلهو بلحيته فعلمت بأن صغير الأمس قد كبر اليوم وهو نفسه هذا الشاب الذي يقف أمامها تزينه عمامته حاملا كتبه ودفاتره بيده ، بينما في تلك الأثناء أيضا كان ابو خالد يحلم بأحفاده وهم متجهين إليه يتسابقون نحو أحضانه يملأون البيت لعبا وصراخا ، وما بين مرور شتاء وصيف مرت ايام بلياليها وسنين بمعاناتها ، دخل فيها خالد الجامعة وتبعته خوله ، فقد كانت ام خولة هي من ترعى شوؤن ابنتها ومسوؤلة عنها في وقت كان غائبا والدها عنها يجري منتقلا بين الأسواق منشغلا بجمع المال ، لقد وجد خالد فرصته في الجامعة ليرى ابنة عمه الوحيدة التي حرمها ابوها من وجود أخ لها ليتقاسم معها متعة الحياة وبهجتها ، ويفرح لها حين تتزوج مبتسما في عرسها ، فشعر خالد بأن الزمن رقص له ولخولة ، أما خوله نفسها فقد شعرت بأمان وإطمئنان بجانب ابن عمها يحرسها في طريق الجامعة ، وكان كل يوم يمر عليهم وهما يدرسان يرى خالد راحة خولة ترتسم في لمعة عينيها وبسمة شفتيها ، إن المواسم والفصول تمر عليه ثقيلة وهو يراها أمامه ووالده ووالدها يقفون عقبة في طريق زواجهما ، فأتفقا بعد حفل تخرجهما عندما ينزل كل منهم البلد أن يخبر والده برغبته من الزواج بالطرف الآخر ،وقفت خولة امام والدتها بقلب منكس تخبرها عن رغبتها بالزواج من خالد ، حاولت الأم أن تسكتها ولكنها لم تستطع فقوة حبها لأبن عمها جعلتها تستجمع قواها وتخبر أباها برغبة خالد في خطبتها ورغبتها بالموافقة على الزواج منه ، إن الصدمة أذهلت والدها وأخرجت لهيب تنفسه حتى لطمها بصفعة أسقطتها ارضا ، في تلك اللحظة قال لها : كيف تسمحي لنفسك أن تختاري فارس غرام يرافق مشوار حياتك وهو غير قادر على حمايتك ، أما خالد فإن صراعه مع والده كان أشبه بخوف عليه من ردة فعل عمه إن علم برغبته في زواجه من خوله قبل أن يكون إعلان رفض لهذا الزواج فخالد إبنه الوحيد وليس له غيره ، لقد اصابة قشعريرة الحمى جسد خوله ، وأنهكت الهموم خالد ولم يكن بيده شيء يفعله سوى أن يلجأ لأصحابه الذين أشاروا عليه بالسفر معهم ليستطيع النسيان ويفكر في طريقة ليخمد فيها العاصفة ، حمل خالد حقائبه مع صمت يلبس فيه جلباب الألم بأنفاس تصرخ وجعا في خاصرة الليل ، وتوجه لأول مرة خارج وطنه الأم مع زملائه لخارج مجتمع لا يعلم عنه شيئا مهما قرأ وتعلم ، لقد جرفته أقدامه بين أحضان طبيعة بانكوك الساحرة التي ما أن غمست أطراف اصابع قدميه فيها خطوة كان صدى صوت خولة مع كل خطوة يقول له إرجع ، ولكن كانت هذه تجربة اخرى جديدة لبداية طوفان آخر ، الأمر في بدايته كان مع خالد صعب في التكيف ولكن مع مرور الوقت وتقاطر الأيام بدأت أضواء بانكوك ومعالمها الفريدة و مراكبها النهرية )اكسبريس بوت) في نهر ''شاو فرايا'' و قناة ''ساين سيب'' تسحبه وتلقي مخلفاتها عليه ، بدأ يوما تلو الآخر ينسى تلك القرية الصغيرة وهو ينتقل من فندق إلى آخر ومن عاصمة تايلندية إلى أخرى وهناك تعرف على " تايا " وبدأ معها جولات مكوكية في أجواء بانكوك وطبيعتها الساحرة لقد قامت تايا بدور المرشد السياحي لخالد كما تعرف على صديقها صاحب معرضا للسيارات فعمل معه قرابة خمسة اشهر في الوقت الذي عاد فيها زملائه إلى وطنهم . ومثلما كانت اليوم تشبه الأمس والليلة تشبه البارحة بادرت تايا فعزمت خالد على الغداء وجولة في مراكز التسوق إلى ''إن بي كي'' و''ميدان سيام'' و''سنتر وورلد بالاكان'' على أن يكون العشاء في سوق ''باتبونج'' الليلي بعد أن يأخذا جولتهما في شارع ''سيلوم'' وسوق ''براتونام'' فأستقل الإثنان 'التوك توك'' وما هي سوى ربع ساعة من بدء تناول وجبة الغذاء حتى رأى زميله مقبل عليه فهمس في أذنه حين قام من فوره كسرعة حصان جمح عن صاحبه فذهب مع زميله إلى مستشفى ''ساميتي فيج'' حيث يرقد عمه مصابا بجلطة في الدماغ بعد أن خسر كل أمواله في البورصة فتوفى بعد إسبوع من وصوله تايلند . لم يستطع خالد ترك خولة تعاني قسوة اليتم ومرارة فقد والدها فأنتهزها فرصة مجددا طلب يدها للزواج بعد أن تنهي والدتها أشهر العدة ، وما هي سوى ستة أشهر حتى تمت مراسم الزواج وعاد الدم يجري في جسد خالد وخولة من جديد ، وأصبح خالد له أسرة من اب وزوجة وأم .لم تستطع خولة نسيان ليلة زفافها على خالد حين كان يلفها الخجل وهي مرتبكة يغلفها الحنين بعد طول إنتظار كانت تحلم به وهو ينظر موازيا إليها وكأنها حورية يبرق وجهها كزجاج يشعل النور بوسط الظلام . لقد عادت الحياة إلى أبيه وأمها وارتسمت الفرحة بوجنتيهما ، تلك ليلة نظر فيها خالد رافعا بصره للسماء رأى النجمات وقد إختبئت خلف السحاب وما هي سوى ثواني تساقط فيها المطر ، مد خالد يده لخولة مطبقا كفه عليها مشتعلاً بالحنينْ ، كانت مجرد لحظات وقفت خلالها فسقطت مغشي عليها لتعاني من إرتفاع الحمى وصعوبة التنفس ، لحظتها شعر خالد بأنه أصبح كفرخ مذبوح ، وهو يأخذ خولة من مستشفى إلى آخر ، دون أن يطمئنه احد ، وبينما هو على باب منزله رن الهاتف كان المتصل من المستشفى الذي أفقد خالد همس روحه ودقات قلبه وهو يخبره بأن زوجته تحمل فيروس الأيدز بدمها ، إرتعب جسده و تثاقلت قدمه واهتز قلبه لقد افقد طفلته الصغيرة حياتها وحق التمتع بها ، حاول أن يتماسك متحاملا على ساعديه ، ولو كان في يده حربة لطعن نفسه بها ، لقد إغتال روحه بيده ،ظل يكابد الألم ملايين المرات حين يراها تتألم لم يعد يملك بيده اي شي ، ولو كانت الأرواح والصحة تتهادى لأهداها قلبه وقبلها عمره كله ، ومنحها دهرا من صحته ، تمنى حينها أن جرح أبيه مع عمه لم يندل وأن الصلح لم يتم وأن عمه كان حيا يرزق وهو من مات ، وما هي سوى أيام إشتد فيها وجع خولة بعد نفاذ المرض بجسدها ونقص مناعتها فرحلت خولة ولحقت بوالدها تحت ارض ما زالت بساتينها لم تزرع ولم تروى بعد حتى تطئها الأقدام ، رقدت في صمت القبور كانت النجمات تحرسها والقمر ينير قبرها ، والنور يرفرف بسبب طهرها وعفتها ، لقد دفعت ثمن فاتورة لا ذنب لها فيها وتحطم أمام عين خالد كل شيء في لحظة نزوة عابرة دفع ثمنها من شبابه وشباب زوجته ، وحرم الأهل بهجتهم عندما اغتال خولة بيده ونفاذ صبره وقلة إيمانه ، رحلت خولة بعد ان كانت بيوم ما هي بهجة الحياة ومتعتها لخالد ، وخالد هو من حفر قبرها بيده قام يحملها كبرعم بين يديه يزفها إلى طائر الموت ، بعد أن كانت أنفاسها تسقي قنوات الماء في مزرعة ابيها وعمها ، ولا يزال خالد يعاني الألم ويدفع وجع المرض في جسده ، وصورة خولة وهي ملتحفة في الكفن تجعل من قلبه سجنا يقف في قعر حنجرته يصعب عليه فيها سحب أنفاسه ، فكم من خطيئة دفع ضحيتها أرواح بريئة وكم من متعة زائلة هزت ميتا في قبره بسبب لحظة طيش وضعف وأطاحت بثورة عبد في محراب الشياطين حاملين مزمارا بأيديهم يعزفون به على كف الغواية في وقت كان فيه البشر يرقصون . بقلم : السهاد البوسعيدية