نشرة الأخبار

آخر المواضيع

السبت، 9 يوليو 2011

موت الوردة





كانت تناديه بابا فهو الذي رباها بعد وفاة أبيها ما كانت تعرف أن لها أب سواه كان يحرث بستانه ويزرع من الورد والزهر شتى ألوانه وعندما تطلع وردة كان يجري لها يعطيها إياها وكان يقول لها إن هذه الوردة تشبهك في جمالها ونضارتها ورائحتها الحقيقية وهي تبدو سعيدة حينما تنكب تقبل يديه 0وجدها غضة طرية لحمة حمراء مع والدتها التي كانت تصارع المرض والألم حينما ولدتها فهي لم تعرف إلى أين تذهب وأين تتجه هربت من أهلها لحظة الولادة خوفاً من أن يكشف أمرها ولم تجد مكاناً تضع فيه مولودها سوى بستانه 0



إتخذت لها جانب من المكان بين زهور ذلك البستان فغطتها أغصان الزهور وهي تضع حملها 0 كانت تستعيد ذكرياتها معه حينما كان يغازل مشاعرها حتى وقعت أسيرة هواه 0 لم تعد تصبر عنه ساعة فكان يتواعد معها خلسة بعد أن خطبها أكثر من عشرين مرة ولم يفاجئ بنهاية له إلا الضرب والإهانة حتى لا يعود إليهم خاطباً مرةً أخرى 0

كيف يجرؤ هذا الأرعن بأن يخطب بنت أكبر قبيلة في تلك القرية !!

خرج والدمعة تتغلغل في عينيه متوشحاً وشاح الألم ومتجرعأً مرارة الحب بعد أن أهين وصدم بهذا الرد 0

كان دائماً يردد على مسامعها بماذا اخطأت مع أهلك حتى تتم معاقبتي وإهانتي برفضهم للزواج منك

حاول كثيراً بأن يبتعد عنها وكان يجلس أطول مدة إسبوعاً يصارع شوقه ومشاعره ولكنه لا يقوى يضعف أمام عشقه وهواه لها

كثيراً تألمت ومرضت دون فائدة ترجى



كانت كالقمر حينما تجلس أمام بحرة الماء يغازلها كل من حضر ، وهي لا ترى سواه أمامها 0 تعاهدا بعد ذلك بأن يمضيا سوياً ويطلقا المجال الخصب لساحة الهوى والحب 0 فقرر بأن تكون زوجة له كما قررت هي بأن يكون زوجاً لها 0 له منها ما يحل للزوج مع زوجته ولها مثله كذلك 0

ظل هو كذلك وظلت معه سنتان حتى كان يوماً ينتظرها ببستان أخيه وبيده عقد من ذهب نقش بداخله صورته وصورتها وأول حرفين أبجديين لهما 0كانت السماء ملبدة بالغيم وكانت الأمطار تنزل بغزارة حينما كانت تجري نحوه مسرعة تنغرس أقدامها فوق الطين وتظل تسابقها الخطوات قبل الأنفاس وهو منتظراً أن تطل عليه كإشراقة شمس الصباح الدافئة 0

وفجأة ظهرت حية من بين الأزهار لسعته في قدمه لحظة وصول حبيبته 0 أخفى الألم عنها حتى لا تشعر به 0 لقد قبلها وألبسها العقد حول رقبتها 0

وحينما ودعا بعضهما نظرت إليه وهي تقول كل يوم أراك مشرق وجميل ولكن اليوم أنت أجمل إنك كالملاك 0

عانقته بشدة وكأنه العناق الأخير حيث كان يخفي الم لسعة الأفعى بقدمه حتى لا تشعر به فتتألم هي الأخرى فقد كان لا يطيق أن يراها تتوجع 0

وحينما ذهب للمنزل وقع على الأرض وقد إرتفعت حرارته من الحمى 0

جرى أخاه مسرعاً كي يحضر له الطبيب ولكن الطبيب وصل متأخراً حينما دخل الطبيب عليه كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة 0



أما هي فقد ظلت تنتظره الإسبوع تلو الإسبوع والشهر يأتي ويمضي والطفل يكبر في بطنها ومهما تحاول أن تخقيه بملابس واسعة حتماً لحظة ولادتها سيكشف سرها وها هي الأيام تتوالى تأتي وتمضي 0

وحين شعرت بألم المخاض لم تجد مكاناً لها سوى ذلك الذي كانت تلقى حبيبها فيه 0

جلست يومان متعسرة ولادتها وهي تنزف دون طعام ولا ماء 0 وفجأة خرجت مولودة كبدر السماء في بهائها وجمالها 0 نظرت إليها بدمع فرح ووداع مبتسمة وهي تقبلها على جبينها فألبستها العقد الذي أهداه لها حبيبها والذي ظل مطوقاً عنقها حتى تلك اللحظة 0



سمع صاحب البستان صراخ المولودة في بستانه فظل يتبع مصدر الصراخ في أي مكان من البستان ؟

وأخيراً وجد الأم والمولودة 0 حمل الطفلة ونادى بالخادم كي يساعده في حمل الأم 0 أخذها لمنزله

أشعل لها المدفئة وأحضر لها طعاماً وماء حتى تتحسن صحتها 0 ولكن حمى النفاس كانت أقوى منها ففارقت الحياة بعد إسبوع من ولادتها 0



عاشت في يتم ولكنه لم يشعرها بفقدان الأب فقد إعتنى بها كما لو كان أبوها وهي لم تعرف في الدنيا غيره 0 كانت متعلقة بالورد وكان يقول لها أن الورد هو من يشبهك 0 كانت الفتاة تكبر أمامه وجمالها يزداد كان يناديها وردة 0 وهي تحبه كثيرا ومتعلقة به 0 كيف لا وهي تعلم بأنه والدها الذي رباها ودللها حتى أصبحت عروساً يطرق الخطاب باب أبيها وفي كل مرة كان يرفض متعللا بصغر سنها 0 كانت ترى من هي أصغر منها قد تزوجت وأنجبت أيضاً0



حتى دخل عليها يوماً ووجدها تبكي وكان يحمل لها من الزهر ألوانا ، رأى دمعتها فمسح الدمعة من عينيها وقال لها بأن الورد لا يبكي يظل مبتسماً ضاحكاً حتى لا يفقد إشراقته ونظارته 0

نظرت له بعين البنت المحب لأبيها تسأله : بابا لم ترفض خطابي 0

غضب منها ولكن سيطر فجأة على غضبه وما لبث أن هدأ فأجابها : أن من يتزوجك لابد أن يكون جديراً بك يحبك فلا يؤذيك يحاقظ عليك حتى آخر لحظة بحياته لابد أن يستحقك



أمسكت بيده تقبلها ودمعتها تتساقط على كفه وقالت : أحبك أبي

رفع رأسها وقال لها : أتتزوجينني ؟

دارت بها رحى الأيام وسقطت على رأسها سنوات الدنيا وقامت وما قعدت غير مصدقة ما قال !!!!

حاولت أن تستفهم كلامه مرة أخرى ولكنه سألها نفس السوأل : أتتزوجينني

كأنما كانت تحلم أو كمن فقدت عقلها كيف لبنت أن تتزوج والدها 0

نظرت له بغرابة وأبتسم هو لها فقال : إذاً السكوت علامة الرضى سيكون عرسنا يوم الخميس المقبل جهزي نفسك وأستعدي0



نزل للمدينة ليشتري لها الذهب الأصفر والأحمر أصنافاً وأشكالا ومن الحرير أحسنه ومن العطر والبخور أطيبه 0 والفرحة أنسته الدنيا وما حولها

أما هي كانت كمن يعيش الحلم أو كمن أصيبت بسحر منعها من أن تأكل وتشرب جلست ثلاث أيام بلياليها صائمة عن الطعام والشراب 0

وحين عودته للبيت وقد حمل لها كل ما يلزم مستلزمات العروس وجدها نائمة وقد فقدت نضارتها وإشراقتها الجميلة

كانت تتحسس عقد والدتها بعنقها كل لحظة وحين بينما هو يخرج لها أشكالا مختلفة من الذهب والفضة والحرير 0 وكانت تجيبه بأنفاس ثقيلة أنا لا أريد غير هذا العقد الذي ورثته عن والدتي 0 وتكرر عليه ذلك عدة مرات حتى أمسك بعقد رقبتها فرماه أرضاً في ثورة غضب 0 واثناء سقوط العقد أرضاً لفظت هي أنفاسها الأخيرة لتلحق بأمها وأبيها 0



وكانت صدمته هو في تلك اللحظة صدمتان ، صدمة موت الوردة التي ربها كإبنته وبيده كان موتها حين أراد أن يتزوجها

والصدمة الأكبر هي حينما فتح العقد فوجد صورة أمها وصورة أبيها 0 والحرفين من إسمهما

ذهل فالصورة الثانية كانت صورة أخيه 0

صعق بعقله وشل فكره ووقف قلبه فقد علم في تلك اللحظة فقط بأن الوردة هي إبنت أخيه وأنه عمها 0

لم يستطع أن يستوعب الموقف وبأن يحتمل الصدمة فكيف لعم أن يتزوج بإبنة أخيه أصيب بجلطة في الدماغ أفقدته الحياة فمات هو أيضاً بموت الوردة 0

بقلمي : السهاد