
كان يفترش الرمل ويجلس يحلق في عالم آخر ليجد له عن هوية بعدما أضاع هويته - ولم يدري إلى أي مفترق من الطرق يتجه ، أحب الصحراء بما فيها من كثبان رملية وهدوء لم يعتده في مدينته - لقد فقد كل شيء بعدما وقع عليه حادث مؤلم أودى به إلى بتر ساقه الأيمن - كان في الجيش من الجنود المتميزين وكان لا يألوا جهدا من أجل القتال والتفاني في خدمة وطنه
أنه أحمد - حبيب وردة أحبها وأحبته -كانا عازمين على الزواج من بعضيهما - وكان جميع من في مدينته يعلم بالحب الجنوني الذي كان بينهما - انه عاشق صبابة كما يدعون - كان لا ينام إلا بعد أن يراها ويتسامر معها أجمل عبارات الهوى والغرام ويقطف لها من حديقة البيت وردة يعطيها لها لتضعها تحت مخدتها - كيف لا وقد عقد قرانهما وكان زواجهما بعد عودته من آخر تدريب عسكري يقوم به - كان أحمد ينتظر ترقيته إلى رتبة عميد في الجيش فكر بأن تكون حفلة ترقيته هي ليلة حفلة زواجه على وردة - ودعها كما لم يودع أحد من قبل وكانت تشعر بخفات قلبها ودقات أنفاسها تتصاعد - قال لها إنتظريني سوف أعود وأحدد كل شيء مع والدك بشأن العرس ،
ذهب أحمد وفي عقل وردة ألف سؤال وسؤال !!
وألف علامة إستفهام تدور وتجول بفكرها !!
تحاملت عليها الكوابيس المزعجة - فتارة ترى قذائف صاروخية قد أوقعت ضحايا بمدينتها - وتارة ترى نفسها تدوس على ألغام تجعلها تصارع الموت - تزداد شهقات أنفاس وردة وتقوم مذعورة من نومها وكأنما جبل يجثو بثقله على صدرها
كان أحمد لا يقل عنها -فتارة يرى بأن وردة بأعلى جبل تمد له يديها وتصرخ ويحاول إنقاذها وفجأة يشعر بتشنج أطرافه وبأن رجليه قد شلت ويديه قد يبست وفقدت قوتها
حتى جاء موعد التدريب العسكري في ذلك اليوم حاول أحمد أن يبرز نفسه ويبذل كل طاقته لكي ينال الترقية بنزاهة وشرف - وفجأة لم يشعر سوى بأن شيئا ما قد هوى عليه أرداه أرضا ولم يشعر سوى بنفسه ورفاقه بجانبه يحاولون أن يصبروه بعد أن فقد عضو من أعضائه إنها ساقه اليمنى ، علم والد وردة بذلك ولكن بدلا من أن يفخر بأحمد كونه رجل عسكري تفانى في خدمة وطنه طلب من أحمد أن يقوم بطلاق إبنته - رفضت وردة بداية الطلاق ولكن تحت ضغط والدها لم تستطع أن تفعل شيئا - وفعلا تم الطلاق وكل ذهب بحال سبيله وأوقف أحمد عن العمل بسبب إصابته - بقي أحمد قابعا في بيته منزويا على نفسه لا يرى أحدا سوى جدران الغرفة وظلمتها الحالكة - حاول أن يسترد أنفاسه ويفجر طاقته لأنه شعر بأنه ينقصه شيئا ما وهو هكذا - فقام بتأليف الكتب وكتابة القصص فقد كان قاصا وروائيا مبدعا - وفتح مكتبة صغيرة يبيع فيها بجانب بيته - فزاد حب الآخرين له وإحترامهم لإصراره وعزيمته - سوى والد وردة - فقد عزم على تزويجها من إبن عمها الأرمل الذي يكبرها بستة عشر عاما - وهكذا تم الزواج ،
حينها علم أحمد بذلك ولم يعد يحتمل أن يرى من قاسمته حياته وقلبه لرجل آخر ، فأنطلق دون أن يعي يهيم على الأرض لا يعلم أين تسوقه رجله وعكازه حتى بعد بعيدا عن المدينة وصخبها وافترش الصحراء ورمالها ، وها هو أحمد قابع بين الصحراء مفترش نعومة الرمال ؛؛ مستنشق هواء المكان ، سمع فجأة أحمد نداء المؤذن للصلاة وهو يؤذن ؛ حاول أن يتبع مصدر الصوت يمينا ويسارا ، سحب عكازه وأخذ يتبع الصوت وفجأة سقط أحمد متعثرا على صخرة كبيرة إرتطم بها رأسه ‘‘ صرخ أحمد صرخة مدوية أفقدت المكان هدوئه ولم يفق سوى بوردة أمامه تضع له الكمادات على رأسه وقت صلاة الفجر ، نظر أحمد لوجه وردة مبتسما وحمد الله تعالى بأنها أمامه فقد كان ذلك كابوس حمى .
بقلمي : السهاد