نشرة الأخبار

آخر المواضيع

الأحد، 29 يناير 2012

القنديل الأخير بقلمي من ذاكرة الروح ج






كانت تكره رائحة الكاز ومنظر الدخان في الزجاج وهو يغطي كل جوانبه إنها كموثوق في حبال القد مسلوب الإرادة رغم أنها حرة كمهاة الرمل ولكنها قيدت حريتها وكبلت عزيمتها وكان صدرها ينتفض حزنا على وسادة بالية من سعف النخيل رغم أن قومها ذو حسب ونسب وغنى ولهم شيمة يتناقلها كل عربي من الكرم والجود والشجاعة ، ولكنها معه تركت كل متع قومها والأرائك المكسوة  بالحرير واستبدلتها بسرير من السعف كان يجثو على قلبها حينما فطمت حنان القوم وحنان الزوج تمضي عليها الفصول عاما تلو عام فترى الليل شمعة في دمع عينيها المتمرغة بالنور عندما جثم على صدرها الحزن وتهاوى لمسمعها صوت جدتها ، لقد باتت تلتحف في كهفها المسحور لعل فيلق صبح ندي ينتشلها من الدجى المخمور الذي يطبق على قصة الهوى المسعور في عهد غرام ليل دامس قد أقظ مضجعها وطير النوم من أهدابها تعرفت عليه في نيسان ليلة رأس السنة الآشورية لم تكن تعلم بأن قدرها يسوقها إلى حتفها الذي أكدته العرافة لها يوما ، كانت تملىء وادي نهر دجلة صخبا وضجيجا مع خادماتها وعند عودتها لقصر والدها لم تكن تكف عن الكتابة وقراءة علم الفلك والشعر، كلما مر عليها حول زادها الحول الآخر كبرا وزهوا وغرورا بقومها حتى وقعت صريعة هواه ، فباعت مملكة قومها وأشترت بقلبه لها مملكة علها تحظى بما هو أكبر من ذرى آشور ، كانت حفلة رأس السنة الآشورية لعنة عليها حينما مد يده لها يدعوها لحفلة راقصة وأصبحت مع كل رقصة ترقصها في جسمها كل عرق يتلوى فتشعر بخطى قدميها وهي تحركها كأنها تصعد بها حتى حدائق بابل المعلقة تلك هي أماني عاشق مستهام بعرشه المتعالي ، حتى تهاوى بها العرش في فناء مرير تمنت كمن كان يحلم ونظرت لزجاجة القنديل لترى الوجه الذي كان في حضن أبيها منير والذي كان من قبل كوردة تتهادى ولها رائحة عطر من عبير ، لمحت ذلك الوجه الذي كان ربيعا أمسى جماله وولى في كهوف من خريف أطبق على ثغرها الصمت فلم يعد لحياتها بريق ، وعلى ضفة الظلام الملتحف بعباءة السواد حركتها أقدامها نحو قصر أبيها فخيل لها شعاع من نور في الهوة السوداء وعلى مبسم فتاة ذبحها نيسان في وقت رأس السنة الآشورية أطلقت فتاة خرساء ثورة الصمت بعد أن دنسها رحيق الخطيئة العمياء  وما أن لحظها من بالقصر حتى أعلنوا بقايا رعشات العناق في اللحظات الأخيرة في غمرة الليل وسكره وبقيت هي كالنجوم الآفلات في ساعة عجلى تغطيها رعشات منتصف الليل حين أطلقت الجياد بحوافيرها  مجلجلة صوتها بالصهيل وليت الكواكب حينها لن تسير، فها هو ظلها يلوح من بعيد في ظلمة الليل العميق يومئ بالوداع فأصبحت رئة تتمزق تحت حوافر جياد العاديات فلا قلب والدها رحمها ولا حراس القصر أشفقوا عليها حين تلطخت جدران آشور بدماء كان الهوى بداخله بساعة أمنيات ، فشلت أنفاسها واهتزت رئتيها بعد أن زفت إلى مقبرة آشور في ظلام دامس وقد لطخها دم ممزوج بسعال حين زفتها القافلة من خدم آشور وقرع طبولهم كنجمة آفلة من عالم الفناء لم يكن هناك همس ولا صوت غير شفاه ظمئ تدفعها دون رحمة إلى الهاوية

لم يبكي عليها سوى حانوتي عتيق ولم يفقدها سوى غمغمات الغريب بأسواق آشور وقنديل دهسته حوافر جياد أبيها في تلك الليلة الأخيرة من رأس السنة الآشورية 0



بقلمي : الـسـُهاد البوسعيدي