إذا فقدنا المنهجية غرقنا في الهمجية
كانت تهرب من أزقتها ومن جميع زوايا المكان التي تذكرها بشبح الغربة ، لم تجد من يضمد جرحها حين ينزف ورئتها حين تتمزق سوى المشي بعيداً لساعات طوال حتى تصل بمقربة جبل كوك وتبذل جهدها وطاقتها في تسلقه .
ساعة ميلادها حولتها إلى جثة هامدة بعد أن أغلقت جميع الأبواب بوجهها أمام الحاضرين التي تقف أمامهم محاولة أن تقنعهم بتطبيق مبدأ سياسة الجودة في العمل صار الكل في جزء يقف ضدها حين ذكرت عبارتها بأن " مفاهيم الجودة أساس لتوحيد الجهود " بنت بلغة التخاطب بينها وبينهم أسوار عالية ، وعادت من تلقاء نفسها لتقعد على طاولتها تضمد جراحها النازفة ، وحتى تأخذ صيغة الفرح الحقيقي ولو كان تمثيلا وكذبا حاولت كتابة أبحاث عملية ذو منهجية سليمة موضحة فيه بأن العبرة ليست بكثرة العمل بمقدار ما هو قد أنجز بشكل متقن وجيد ، شعرت بأنها قشرة تتقاذفها أمواج البحر منتحرة على عتبات أبواب الجودة ، لم يفهمها سوى خمسة من زملائها محاولين تشجيعها على تكملة ما بدأته وترك إنهزاميتها بعيدا ،حاولت أن تطبق الجودة على نفسها وفي جبل كوك بنيوزلندا ذوبها الضياء ووضعت جدولا به من أساسيات الجودة الكثير وهي تنظر محلقة إلى السماء ، تذكرت أن الإحسان وتحقيق إحتياجات الغير ومطالبهم تعتبر من الجودة ومن الأهمية بمكان العمل بها ، علمت بأنهم لم يفهموها بدون معجزة وأن الوضوح في نظرهم يعتبر جريمة حاولت مع زملائها الخمسة مراجعة جزئيات العمل مع باقي الزملاء خصوصا الدقيقة وتوضيح الغموض منها ، فقابلوها بالهجوم فهم لا زالوا مصرين على ما هم عليه معللين إصرارهم بأن ما يقوموا به من إنجاز يعتبر مقارنة بالغير أسطوري ، سجلت ما تقوم به من مبادئ وخطوات واتجهت مع زملائها المؤمنين بتطبيق ثقافة الجودة إلى أوكلاند ، في بداية مشوارها شعرت بإحباط وأن الأحجار لن تتحرك إلا إذا تحركت الأحياء من البشر خوفا من أن لا يفهمها أحد ، إعتبرت ما تقوم به تجربة أو بمثابة مغامرة عليها أن تبدأ بها ، أحست بأن دماغ رأسها ينزف وبأن بركان بورت هيلز الخامد قد عاد لينشط من جديد يهشم ما بقى لها من أفكار تحاول تطبيقها ، لكنها كانت عنيدة ففي لحظة وقفت أمام نفسها لتقول هذه ساعتي لا بد أن أعي بأن ليس كل جديد مقبول وأن التغيير لدى البعض صعب تطبيقه ، كان زملائها الخمسة بالحافلة نائمون فالمسافة ليست بالقريبة حتى تصل إلى أوكلاند ، أما هي فقد ودعت مخدتها فلم يعد يثيرها النوم والطعام فكل ما يشغلها هو كيف تطبق الجودة في مؤسستها ،في لحظة من اللحظات تذكرت القبطان ويليام هوبسون حينما قام بإختيار مدينة أوكلاند كعاصمة للبلاد ، المعادلة كانت بالنسبة لها صعبه ، ولكن حين قارنت ما تقوم به الملكة فيكتوريا من الرعاية والإهتمام بالقبائل والرؤساء المحليين في نيوزلندا وجدت صدأ فكرها الذي دلها على مكامن الجودة حيث تسعى هذه الملكة جاهدة لحماية حقوقهم وممتلكاتهم لتؤمن لهم السلام والعدل ،من حيث تحسين الجودة وتخفيض التكلفة وزيادة الإنتاجية ، فعلمت بأن الجودة تدار وفق ثلاث محاور أساسية قائمة على تحسين العمل والترشيد في الإنفاق مع ضرورة زيادة في الإنتاجية وهذه المحاور الإدارية الثلاث لن تتأتى طالما لم يكن هناك رعاية وإهتمام بالموظفين والرؤساء وفي لحظة ما تذكرت أسماء من فقدوا من رجال في العالم كانت لهم صولات ومبادئ يؤمنون بها أمثال 'برونو جويو' نمر إندونيسيا و 'الإمام شامل' في القوقاز و 'أحمد شاه مسعود ' بأفغانستان*و'لابو لابو ' الذي قاتل 'ماجلان' *بآسيا ،فعلمت بأن الإنسان الذي يؤمن بالهدف يتقن عمله وسينصره الله على ما قام به من إتقان للأعمال وما اتقان العمل سوى جودة ، أطالت التأمل في الأرصفة والطرقات فشعرت بأن ايقونة النهار بدأت ملامحها جميلة ، فأستعادت نشاطها حين أخرجت دولار نيوزيلاندي تحاول تقسيمه وفق مبادئ الجودة الشاملة في العمل إبتسمت، وقررت أن تشتري به في تلك اللحظة حلوى مع القهوة والحليب لها حين شعرت بالجوع ، لم تستمر دقيقتين حين عادت لتفتح علبة الحليب لترتشف منها جرعة وحين أعجبت بطعمها تأملت الظلال والخطوط الدقيقة على ظهر العلبة ووشوشت نفسها بعد أن تأملت في تاريخ الإنتاج والإنتهاء في علبة الحليب، وعلى غفله تداخلت كل الروايات في دم مفاصلها حين قررت أن يكون هذا الصنف من الحليب رفيقا لها حيثما تذهب ، إنطلقت خلال هذه الثانية على أن إرضاء الزبون هو عامل هام من عوامل جودة العمل وحتى يرضى الزبون على هذا المنتج أن يقابله بشكل مستمر تخطيط ويرافقه تحسين مستمر ، تركت كل الكلام وطلبت من زملائها الخمسة أن يبدي كل رأيه في قنينة الحليب تلك بعد أن قامت بتوزيع القناني عليهم ، شعروا بأنهم كقوافل عطشى في بداية الأمر وهم يشربون الحليب وما أن أبصروا في عينيها لمعة غير معتادة سمعت أحدهم يقول : ما أروع طعمه ولكن لكي يمكنني شرائه بشكل دائم لابد أن أكون متسول أو حرامي أو عامل محترف في مصنع الحليب نظراً لإرتفاع ثمنه ، وحتى أعمل في مصنع كهذا لابد لي من تدريب حتى لا أقع في أخطاء جسيمة ، فالتسول أراه سهلا بالنسبة لي أقلها هو أن أزج في سجون مغلقة النوافذ لا تفتح أبوابها سوى لسجان يدخل الطعام لي فيسبق حظي رجل السجان وأجد قنينة الحليب هذه من ضمن أصناف الطعام المقدم لي في الزنزانة فأشربه كنخبٌ للتسول بدأت تترك ملاحظتها على ورق السائح يرى قرص عين الشمس واسع الأفق من بعيد عادت إليها الحياة حين قامت بتفصيل عامل الكلفة إلى إيجابي وسلبي وأن الإيجابي لابد وأن يستحوذ على ما يصل إلى 50% من ميزانية الجودة، وتكلفة سلبية وتستنزف ما يصل إلى 50% من ميزانية الجودة ، في تلك اللحظة بدأت تشعر بأنها كمهندس اضاءه لعب بعقول الجماهير مرايا الجودة لها تتضح أكثر لتعبر بها جسر الإقناع في عقول زملاء العمل ، وأن القرن الحادي والعشرين لابد وأن يعبر عباب الوجد لتحقيق مستويات عالية من بحور الجودة ومتطلباتها ولزاماً بأن تتطابق متطلباته مع الرضا التام للعميل أو المستهلك وخلال وصولها إلى شارع كوين ستريت بأوكلاند شعرت بأن المساء يقذفها إلى السماء وأن طلوع الفجر لايزال بينها وبينه عالم وأمم بدأت البحث من خلال كتبها التي أحضرتها معها تذكرت البعض من زملاء عملها حين تطلب منهم فكرة قائمة متعلقة بجلسة للإنماء المهني الذي يضيف شيئا إلى أرصدتهم وخبراتهم المهنية حتى يتمكنوا بعد ذلك من قطف أزهار جودوية مفهومة بشكل تعاوني لأداء الأعمال معتمدة على القدرات المشتركة والقائمة في حد ذاتها لكل من الإدارة والعاملين، بهدف التحسين المستمر في الجودة والانتاجية وذلك من خلال فرق العمل التي تساعدهم على تحقيق أهداف مؤسستهم ، وفي شارع كرايست شيرش سحبت نفساً عميقاً لتخرج فيه من هاجس وجعها حاولت مع زملائها الخمسة إنهاء عملها بعيدا عن الخطب والشعارات ليشعر كل واحد منهم بأنه قائد مسؤل يقود نفسه اولا مقتنعا بثقافة الجودة ليتمكن من قيادة الآخرين وإقناعهم بمبادئها فتصبح الإدارة قدوة و مثلا يحتذى به لكل المستويات الإدارية والعاملين. شعرت بأن الزملاء الخمسة كانوا متفقين معها حين قال أحدهم لا وقت للشعر لدينا فإدارة الجودة تتطلب قيادة عملية تساعدها على عبور الإشارة الحمراء فلا وقت للتوقف فتقليل الوقت الآزم لإنجاح المهمات لابد وأن يكون من أولويات الجودة لإرضاء العميل ، تذكرت شيئاً مهما يساعدها على تحقيق نظام جودوي لمؤسستها متجاوزا المسافات والزمن والكلفة وجهد العاملين أخرجها من صمت شفاهها المطبقة لتعلن بأن هذا الوقت هو زمان الولوج إلى غابة التقنيات الحديثة والجري خلف اللغات القوية التي تتقن قراءة أهمية الرقم والبورصات ، ولابد من الإهتمام بها حتى لا نقع تحت خطأ يذهب بنا إلى زيادة كم كبير من الوقت لأداء الأعمال وإنجاز المهام والذي من خلالها نقع تحت عامل ترقيع مراقبة الأعمال كي تزداد شكوى المستفيدين من هذه خدمات مؤسستنا فيصبح كالباحث عن حانة يود أن يستريح بها من عناء الهموم فثقافة إشباع الرغبات من الأهمية بمكان كي تركز وبقوة على إشباع رغبة العملاء والذي يصاحبه بشكل أكبر التحسين والتطوير المستمر في جميع عمليات وأنشطة المؤسسة ، حتى يمكننا تحقيق اهم عامل يذود بنا عن نسبة الربح في السوق وهو عامل وفر في التكاليف مصحوبا بسرعة أعلى في الأداء مع الالتزام بالمعايير المطلوبة للجودة فزماننا هذا ليس زمن حمام زاجل يفتش ويبحث عن وطن ولكن هو زمن الصواريخ والطائرات والهواتف المتنقلة والثابته التي تختصر جهدا كبيرا ومسافات أكبر وليست إعجاز نخل خاوية ترقص على مدامع القلب وبحور الكلمات وإنما هو زمن الإيميل والبريد الإلكتروني فخلال ثانية من رمشة العين يبعدك عن زحام المؤسسة وأوراقها المتراكمة وروتينها القاتل إلى تضافر جهود افراد محبين للعمل في عالم من الصفاء والنقاء تظهر في أحسن صورها من خلال بناء فرق بالمؤسسة تزرع البديل و الهديل و الحياة بانتظام وترسم خارطة بلا حدود تشجع من خلالها التعاون بين الإدارات والذي يضمن العمل الجماعي المنظم ويضيف قيمة كبيرة للجودة. بمستوى أدائهم و تدريبهم وتطويرهم وصقل مهاراتهم لتحقيق المستوى المطلوب من الجودة. وهنا أعلنت قائلة لن أستسلم فالجودة هي بمثابة دولة واحدة شعارها النظام يكللها التعاون يسوسها السلام والأمان والوئام تتعلم من خلالها الإدارة والعاملين في كيفية تحديد وترتيب وتحليل المشاكل وتجزئتها إلى عناصر أصغر حتى يمكن السيطرة عليها وحلها. إن جبل كوك جعل منها فتاة واثقة النفس مفتاحها الإيمان بالجودة في القرن الحادي والعشرين تضمن إستمرارية النجاح تحظى بتقدير وإعجاب المسؤولين المؤمنين بالهدف والإصلاح المستمر الذين يرفعون شعار المقولة التي تقول : " إذا فقدنا المنهجية غرقنا في االهمجية "
بقلم : السُـهاد البوسعيدي