نشرة الأخبار

آخر المواضيع

الأحد، 2 سبتمبر 2012

زهرة ياريس على كوكب باريس

 
بقلمي :
 
لم أكن أفهم نفسي من قبل فقد كانت أبواب الخيال تعصف بمحيط أفكاري ، ربما وددت في هذه الأثناء أن أرى غيمة ماطرة تحرك أعمدة فضائي الواسع تفتح خارطة العالم من حولي تمنحني حريتي حتى تبعد أوتار سكوني عن صمتها لقد عجزت سفن العالم في المحيطات أن تغير من عادة إعتدت عليها ،
ومن عادتي دوما القيام بالإبحار كإعتيادي على الطيران عبر القارات السبع فالمرء يكره أن يعيش في مكان واحد دون حراك منه ، فكنت إذا هفا بمخيلتي برق المنى والمغامرة ذهبت لأركب أمواج البحر أنتقل من جزيرة لأخرى مهما كانت الرياح عاتية والمياه مرتفعة أظل أسافر معها في صمت متخيلة جبل أوراس بمراعيه الكبيرة ومياهه الغزيرة ،في خيالي ألف سؤال ولكن ليس في جعبتي لهذه الأسئلة ولا إجابة واحدة .
كنت أحمل بيدي كتاب البؤساء لفكتور هوجو حين تذكرت بيزانسون الفرنسية وقلعتها التي بناها سيباستيان فوبان تناولت فنجان قهوتي المحلاة بالسكر لأتابع في صمت جزئيات الكتاب إستحضرت الظلم الذي يقع على العالم ولم يلتفت أحدنا سوى على ظلم نفسه فقلت لنفسي كما قال هوجو : ، "كل صخرة هي حرف وكل بحيرة هي عبارة وكل مدينة هي وقفة، فوق كل مقطع وفوق كل صفحة لي هناك دائما شيء من ظلال السحب أو زبد البحر".
بدأت الأحلام تنزل كصور حقيقية على عالمي الواسع تذكرت خلالها نابليون ومعالم باريس وأنا واقفة بين معالم فرنسا الشهيرة اقبع على نهر السين وتحفني أشجار الكستناء ، شعرت وقتها أن في قلبي زهرة.. لايمكن لأحد أن يقطفها خصوصا وأن أذهاني كانت عالقة على أضواء مدينة النور باريس وخيال مسراها الطبيعي وبرج إيفل يظهر جوانب من شخصيتي ،وفجأة تعثرت وسقط خاتمي الماسي الذي كنت أرتديه و يزين الوسطى من إصبعي ،تذكرت أنه هدية عمي في يوم ميلادي إنه لمسة وفاء رأيته لحظة أن قدمه لي في علبة نقشت على جدارها صورتي وأول حرف من إسمي بتلك اللحظة الأفكار سكنت مخيمة في عقلي وبدأ الصداع ينتابني برأسي دون أن أعلم هل أضحك أم أبكي فأصبحت كمن سقط عليها برج إيفل بأكمله ليس حزنا في الخاتم الذي فقدته بقدر ما هو عطاء من شخص يمثل بالنسبة لي رمز معزة بقلبي ولا أحد في منزلة عمي بقلبي غير أبي ، غاصت افكاري في شوارع باريس ونهر السين حتى غرقت! وأنا اسأل نفسي أين من الممكن أن يكون قد وقع هذا الخاتم بعد أن سقط من إصبعي ؟ بدأ الدمع يغرق عيني حتى إلتف حولي معظم مرتادي الشانزليزيه محلقين كالدائرة ، ورغم الحزن الجاثم بصدري والدمع المتناثر كحبات البرد من عيني إلا أن الأضواء الباريسية المتعددة الألوان تلونني كل ثانية بلون مختلف ،وكان وجهي يشع إشراقة كأميرات العائلة الملكية في العصور الوسطى فمن يرى وجهي الذي يخفي الكثير من الألم يظنني باريس هيلتون اتت فوقفت هناك أذكر حتى تلك الرشات التي وضعتها من رذاذ عطري كان من باريس جاليري ،تناثر دمع إمرأة عربية فأستيقظ من هم هناك على نهر الدمع وتعجب الجميع أكثر من دموع كهذه تنثر على خاتم ماسي في خطوات الليل كان قد وقع على ضواحي شوارع باريس ،
لقد عذرتهم لأنهم لم يفهما سحابة دمع كانت تلف مغلفة عيون شرقية تنتظر ساعة الحظ تحالفها لتلتقط متفائلة خاتما سقط سهوا من يدها حتى كاد بعضهم يظن ذلك سيناريوا يعد ويجهز لعمل درامي يخرجه مخرج محترف !!!ولو عرفوا سبب حزني على ضياع الخاتم في شوارع باريس لعذروني ،بكيت رغم جمال ما يحيط بي من نهر السين والشانزليزيه ومتحف اللوفر ولكن كل ذلك لم يثني تفكيري في خاتمي الذي سقط من إصبعي فكنت أصحو منذ الصباح الباكر كقلب يتيم يفكر في صمت وأجلس على حافة سريري أحاول أن أزيح العتمة التي تحيط بعيني وكنجمة بردانة أجوب شوارع الشانزليزيه مرورا بقوس النصر وحتى ميدان الكونكورد مشيا على قدمي دون أن أشعر حتى تطبق أهدابي جسرنهرالسين برجلين مثقلتين أنهكهما التعب أستمع على صوت أنين الناي أحاول فتح نافذة ربما تكون هي النافذة الأخيرة التي أستعيد بها وعي فتاة أصيبت بصداع جعل من جبهة رأسها كزئبق أرواح هادرة ، حيث لا أفق ولا فضاء كتلك الأقفال التي أحكم إغلاقها على ممر نهر السين دون أن تحظى حتى بمفاتيح منسوخة لتعيد فتح القفل من جديد وبثورة من الضعف و الغضب كدت أقطع إصبعي التي سقط منها الخاتم ،تعبت وخيم على عالمي المساء فذهبت إلى الفندق المجاور لحديقة فيرساي بقلب صامت يقف على رعشة الفكر والكلمات ,وما أن دخلت غرفتي حتى غرقت في سبات عميق ملتحفة برداء طفلة رائحته عطر أمي أستنشقه في زوايا باريسية تؤرجحني الأحلام على أحضانها في مطبخ بيتنا الصغير وهي تعد لي الحلوى وفنجان قهوتي المعتادة مع قطعة السكر مر الإسبوع والإسبوعان على ضياع الخاتم وأنا أبحث في إنتظار علني أجده والكل من حولي نيام ومازال الحزن مخيما على صدري تبدو ملامحه على وجهي كشرنقة سكنها التعب على ضياعه في حين موعد سفري يقترب ولم يعد لي متسع من الوقت سوى لملمة حقائبي والإستمتاع بما تبقى لي من ساعات بجمال باريس ومعالمها الرائعة حملت دفتر مذكراتي وجلست أستمتع بمنظر الماء بغابة فانسن تجذبني مسابقات الخيول وعروض الفروسية خطرت ببالي في لحظة جنونية بأن أذهب إلى قوس لاديفانص مستقلة المصاعد الكهربائية لألتقط صورة بانورامية على باريس التاريخية وهناك وبدون إذن مسبق إنتابني الصداع فأصبحت كمسافر دون حقائب ماطرة يقصمني سيف الألم المنزوع من غمده وشعرت بأن معالم باريس تدور وتتحرك من مكانها ، حتى فنجان قهوتي الذي حملته بيدي رأيته يهتز والقهوة تسقط على إصابعي رغم سخونتها لم أشعر بها 0 ظننت بدايتها وكأن زلزالا قد عصف بتلك المدينة الساحرة كل من يمر بي ينظر لي كأنثى تخطفها الريح فيشفق على حالتي علمت وقتها بأن دفتر مذكراتي قد أغلق بين شوارع باريس حاملا بريد بدون أي عنوان يذكر غبت عن الوعي لساعات طوال فتحت عيني بعدها على سرير غير سريري الذي عرفته فعلمت بأني بمستشفى هوتيل ديو ، وأمامي طفلا مشرق الوجه جميل البسمة لم يتجاوز العاشرة ممسكا بعلبة حلوى صغيرة مغلفة ممسكا بوردة حمراء ظل يبحث في وجوه المرضى أمامه
ثم نظر إلي بصمت وأبتسم ثم قال:
bonsoir
enchanté de vous voir
أي مساء الخير وأنا سعيد جدا برؤيتك
c'est ma faute
je ne 'ai pas fait exprès
excusez-moi d'être en retard
je suis désolé de vous faire attendre
je m'excuse,je dois partir
وفجأة تلعثمت شفاهي رغم فهمي لما قاله إلا أني لم أستطع الرد عليه ولم أفهم ما يعنيه بقوله أنها غلطتي لم أقصد هذا إعذريني لتأخري آسف لجعلك تنتظري وسحب بعدها نفسا عميقا ثم قال : أستأذن علي أن أذهب ثم إنصرف وتركني ،
سألت الممرضة الواقفة بجانبي عن هذا الصغير ـ فأجابت بالنفي أنها لا تعرفه وعلى جانب من سريري الراقدة فيه لم أعر للوردة والعلبة أي إهمية ، بعدها بيومين تركت المستشفى متناسية ما أحضره لي الصبي وأنصرفت للفندق إستعدادا للسفر وخارطة العالم العربية ما بين فكري وأهدابي ، نمت ليلتي تلك في هدوء دون أن أفكر بأي شيء حتى أن خاتمي قد نسيته فلم أعد أفكر به ، ما أصعب الساعات وهي تمر سريعا في أجواء باريس وشوارعها الرائعة ،نظرت من بين ستائر شباك غرفتي بساعات المساء إلى نهر السين واضوائها الباهرة ولمعت ذاكرة الوطن أمامي وبلحظة تأمل طرق العامل باب غرفتي لحمل حقائبي كان بيده يحمل علبة الشوكولا ووردة حمراء يابسة ،وأنا مبهورة بأضواء المساء دهشت من إحضارها وكأن الدهر يهديها لي دون إنتهاء فقال: بأن إدارة المستشفى أرسلتها لك ، ضحكت في نفسي وقلت له حسنا دعها وهيا بنا
وبلهفت المشتاق إلى وطنه حملت تذاكر سفري يسحبني شوقي إلى أهلي كثقل حجم الحقائب التي معي نظرت للساعة خوفا من ضياع الطيارة التي لا توقيت لإقلاعها وبقيت حقيبة واحدة بالغرفة مع الوردة وعلبة الحلوى هناك فلست من محبي الحلوى كثيرا ، قد تجد من يأكلها ،وحين صعدت للسيارة أحضر العامل الحقيبة الأخيرة ومعها ايضا الوردة وعلبة الحلوى ،وهو يقول : لابد أن يأخذ النزيل لدينا جميع مقتنياته ،إنتهى الوقت وغادرت الفندق و أنا في طريقي للمطار شعرت بإعياء وأطرافي ترتعش فعلمت بأن السكر قد إنخفض عندي من يوم شاق وثقيل ، لقد حان وقت الحاجة لعلبة الحلوى وما أن جئت لفتحها حتى كانت المفاجأة التي هي كميلاد رأس السنة بأكملها والتي يصنع وجودها لحظة عيد بباريس إن بداخل العلبة بطاقة كتب عليها شفاك الله سيدتي ، "كنت انظف الأحذية للمارين حين سقط خاتمك من إصبعك و تدحرج على الأرض تحت عدتي إحتفظت به وها هي الأمانة ردت إليك "إنها بطاقة عادية كتبت بيوم إستثنائي غير عادي كتأشيرة خروج لا تصدقها حتى القصة والرواية وبسبب كبر حجم الفرحة بداخلي نسيت نفسي أين أنا حين صرخت بأعلى صوتي أحمد الله ربي وبتلك الأثناء ظن سائق التاكسي الذي يقلني إلى مطار شارل ديغول بأني فقدت صوابي لقد كان خاتمي الذي حزنت على ضياعه يحمل سورة يس بداخله فخشيت أن يقع في مكان تملأه القذارة أو يقع بيد من لا يعرف قيمته فيدخل به في أماكن نجسه أو يداس بالأقدام ساعتها فقط كنت على يقينبما قيل أنه : " وعلى نياتكم ترزقون " فأصبحت لا أخشى طوفان قطار أو ضياع حقائب سفري في الزحام رفعت رأسي على سماء ملبدة بالغيوم وعلى أرض لها حدود وجغرافيا وتاريخ كافح من أجله الجدود وفي النهاية ختمت كتاب البؤساء بما قاله فيكتور هوجو"الشرق عالم ساحر مشرق وهو جنة الدنيا، وهو الربيع الدائم مغمورا بوروده، وهو الجنة الضاحكة، وأن الله وهب أرضه زهورا أكثر من سواها، وملأ سماءه نجوما أغزر، وبث في بحاره لآلئ أوفر" "
بقلمي : السهاد البوسعيدي