نشرة الأخبار

آخر المواضيع

الثلاثاء، 19 مارس 2013

بقلمي : فتاة قروية نزلت بأراض مكسيكية

 

نشر باشرعة جيدة الوطن

 

لم تسمع حتى الأبواب قصتها وهي تُسلِم روحها لخالقها ، باتت من الحزن  متثاقلة ومن شدة الحزن  حتى ستائر  مكتبها شعرت بها  فأصبحت معها تقطر هماً وتشاركها وجع الحزن ، وبقيت نافذة قلبها  مخدوشة الأوردة تسيل دماً ، من طبعها السكون والوحدة والخلود للنوم  ومن ثم إستقطاع جزء من وقتها للكتابة ليس لها من مخالطة النساء  شيء  ، او مشاركتهن لغو الكلام  فهي هيكل ترتعش  كما يرتعش مريض الحمى  من الألم   في زحمة التجمهر والتجمع النسائي  ولما كان من طبع حواء الكيد والحسد آثرت ان تنفرد مع نفسها بعيدا  فكرهت  المزاح  والثرثرة مع النساء  وعشقت الورقة  والمحبرة  فأصبحت تلهو بالقلم وتلعب بالكلمة فلا تروق لها الكتابة إلا بصحبة فنجان قهوتها المحلاة بالسكر ، على صحن الشمس المتطايرة  وهي تعلو السماء ، لم يكن لها صديقة سوى والدتها البعيدة عنها منذ طفولتها رغم الزمان الذي جمح بها وسحبها بعيداً ظلت كشجرة دامية تكتب للزمن بحبر لا يجف تعيش بمفردها تراوغ قطرات الطل في سكون النفس وصمت الوحدة كثيرا ما تشتهي طفولتها كربيع يشتهي رائحة الزهر وأوراق الورد ، هي أنثى تحتسي وجعا لا ينسيها حرقة الوجع سوى الغطس في زحام العمل بين الأوراق والمكتب ، في شرايينها شيء من الذكرى ينادي تراث  وطن وحضارة أمم ، فنجان قهوتها يسحبها لقلاع  رائحتها من آجر الطين وأبراجها شامخة كل ٍمنها يشهد عليه ماضيه الذي يدعو للفخر لما لعبته من تاريخ سياسي ٍوإقتصادي وكذلك دينيًٌ وإجتماعي ، حين نظرت إلى قاع فنجان قهوتها رجع بها التاريخ إلى حضارات عديدة كحضارات فارس وبلاد ما بين النهرين فتذكرت قلعة بهلاء في وطنها الأم وما لعبته من دور إستراتيجي في الفترة السابقة لإنبلاج فجر الإسلام  إحتست وجعا وكتمت دمعها كعادتها وهي تعيش أنين الغربة في بلد كالمكسيك  ورغم عشقها للسفر والسياحة إلا انها تشعر بالحنين للوطن سريعا ولكن رغبتها في دراسة الحضارات جعلها تغوص في رمال الغربة  ، وفي شوارع المكسيك سيتي جلست بأحد المقاهي لتنظر إلى خارطة معالم المكسيك لمحت بأحد المحلات وقد كتب عليه بخط كبير الإفرسك ، ومن عادتها لا تهدأ حتى تبحث في معجمها عن معاني الكلمات خصوصا تلك الغريبة منها ، ففتحت معجمها الإلكتروني لتبحث عما تعنيه كلمة " الإفرسك" في قاموس اللغات تعبت في البداية كثيرا وهي تقوم بأرجحة الكشاف للبحث عن الإفرسك حتى اعياها التعب فنامت على طاولة المقهى  وهي تسكب بعض أنأت من التعب بعدما جرجرة قدميها بشوارع المكسيك ، نامت على طاولة المقهى وبرأسها  تحمل غموض الإفرسك  أطالت النوم حتى أتاها الجرسون ليوقظها في هدوء حين قال لها : لقد أطلت النوم سيدتي هل من خدمة اقدمها لك ، رفعت رأسها إليه وقد بلل النسيان مرقدها بعد أن نهضت في غموض لتقول له : لقد برد فنجان قهوتي احضر لي غيره . وحين عادت من جديد لتفتح معجمها الالكتروني كانت بطارية الجهاز قد اعلنت النهاية فبقيت وحدها هي وفنجان قهوتها دون جهاز يساعدها او حتى أوراق تؤنسها لساعات  طوال لتكتب فيها زبد المغيب ووجع الشوارع ووحشة الغربة ، ارتشفت فنجان قهوتها في عجالة لحظة أن لمحت شقاوة الأطفال وصراخهم بين أزقة المقاهي وشوارع مكسيك سيتي ، حملت حقيبتها في جو شتوي تخربش الأرض بأقدامها كخربشة هؤلاء الصغار في وضح النهار تذكرت زمان آخر يحملها إلى موطنها لحظة ما أن شمت رائحة الخبز في الفرن على يد الخباز وقفت برهة من الوقت وأغلقت عينيها لتتخيل بيوت الطين والهواء يحرك أغصان النخيل وقت غروب الشمس وخرير الماء يداعب سواقي افلاج نزوى ورائحة الخبز العماني تتقاطر من بين بيوت الطين وهي منحدرة من اعلى قمم الجبال الشاهقة لتفتح  الشهية   على معدة جائعة في بلد غربي تشتهي  بها في غربتها الطعام العربي أحست حينها ان قلبها يطير إلى نزوى دون أجنحة ولو كان بيدها لكسرت وهم الغربة وسياجه وجعلت الزمن الذي تقف عنده يحط رحاله بقلعة نزوى وتستبدله بزمن آخر لا يشيب ولا ينقضي ولكنها تدرك بأنها تعيش في زمن الواقع وبأن ذكريات  النخيل بمخيلتها ما هو  سوى نخل مغطى بأشباه مريم تدون على متنها ذاكرة أرهقتها الأسفار ، فتاة قروية  نزلت بأراضي مكسيكية طارت وحطت رحالها على خليج المكسيك والبحر الكاريبي كلما سمعت بالمكسيك تذكرت ارض الذهب وحضارة الإنكا التي أغرت الأسبان على غزو المكسيك واحتلالها لقد أضافت على حبها لدراسة الحضارات حب من نوع آخر تحدت فيه روحها وعقلها وقلبها انه حب ارتياد السواحل وهواية الغوص الذي اتخذتها كمهنة لها تمنت لو كانت مثل تايلور حين اتخذ من  موقعه تحت الماء   وصمم الكثير من تماثيله وتكويناته الفنية لتعكس رؤية فنية تصادق البيئة وتعمل معها، متخذة  منها ملهمة لها  فيشارك بها تحت عنوان  ً الرجل المحترقً في متحف النحت العائم بالمكسيك ، حملت بعضها لتنام ليلتها بهدوء في مدينة اكابولكو درة المكسيك ورغم أصوات  وضجيج الصيادين بمنازلهم المحاذية لفنادق اكابولكو المكسيكيه الا انها نامت ليلتها في هدوء تحملها شواطئ نيسان ولياليها في شتاء هادئ وجو نظيف في إسترخاء ولم تستيقظ سوى على صراخ هواة السباحة بحمامات البحر بمصيف بلايا هورنوز أطلت من شرفة غرفتها بالفندق في صباح عطلة هادئ على خيوط النور والغناء وضجيج الصيادين وصراخ المتسابقين من هواة الغطس والسباحة في الحمامات المائية وحين أطلت من شرفتها على مرفئ المحيط الباسيفيكي بقيت تنظر للماء وكأن تلك المياه تسحب ذاكرتها الى أعماق تنوف ومياهها العذبة لحظة نزول المطر عليها وبداخلها يسري حديث الأمنيات فتقول ممنية نفسها : ليتني بواد تنوف الآن  بين جداول مياهها اكتب مذكراتي لقد شعرت بأنها لو بقيت لحظة واحدة فقط على شرفتها ستلفظها تلك الشواطئ وستجرفها الأمواج متسللة من تحت قدميها لقد غام بها الدمع وهي تسترجع حضارة وطن عربي خليجي بأكمله ومدن عريقة من مدنه  كمدينة نزوى بما فيها من نيابة الجبل الاخضر وبركة الموز مرورا  بدارس وتنوف معرجة على ما بالداخل من ولايات عريقة كبهلا وإزكي ومنح  ، سرى بداخل أذنها صوت والدتها وهي تناديها لتعود فبقيت كنجمة تضيء في سراب الغربة فهي تعلم يقينا بأن دراسة الحضارات ليست بالأمر الهين خصوصا ما اذا كانت تلك المتعلقة بتاريخ أمم كحضارة الشرق واليونان القديمة او تاريخ روما وإمبراطوريتها ناهيك عن حبها الذي غير مجرى تاريخها لدراسة تاريخ سومر والسومريين  على وجه الخصوص  بقيت تعد الايام يوما تلو الآخر والليالي ليلة تلو ليلة على امل ان تنهي ما جاءت   لأجله الى المكسيك  وبقيت هي ومن معها من الجاليات العربية في بلد غربي جيلا تلو جيل حاملين حقائب سفرهم  في ميادين المراهنة .