شراشف بللتها الدموع

روايتي اليوم بجريدة الوطن ملحق أشرعة الثقافي
لقد غيبها العشق وباغتها الاشتياق رغم أن قناعتها تقول لها بأنه لن يكون من نصيبها فالحاسة السادسة كانت سراجا لها تسحبها نحو ما تخفي لها الأقدار ورغم ذلك جمعت أوراق الحناء لتطبعه بيدها لحظة عقد قرانها به وتعطرت بأزهار القرنفل كانت وجنتاها مزهرتين بلون الورد وشعرها ملون بجمال الشفق شعرت بأن شيئا ما يسري بداخلها ، فأنطلقت شاردة بلحظة انتظار على أطلال الوهم تحاول كسر الهزائم ، أيقظت ذاكرتها حين شمت رائحة والدها واقفا أمامها يلبسها بمعصم يدها ساعة من الألماس مرصعة باللؤلؤ الحر ذرفت دمعة فرح مزجت ببسمة فتاة مرهفة الحس عاشت منعمة بدلال والدها ، ورغم أن سعادة العشق تسكنها الا ان أفكارها تغلفها الصمت وهي تجلس امام الجميع كورقة الزهر البلهاء أصابها قحط وعجاف ، مرسوم عليها الف حكاية لا تعرف لها نهاية ، كذلك هي يختالها شعور يحاصر أفكارها ويمزق أوتار مخيلتها ورغم لمعان الالماس بساعتها الذي أدهش الحاضرين حتى تمنت الفتيات للحظة لو كان والدها يصبح أبا أو زوجا لكل واحدة منهن . ورغم ذلك في جبينها يتسلل اليأس وعلى جمال شفاهها المرسومة بحمرة التوت يطبق الصمت المقيت ، لطالما تمنته زوجا يباح لها معه الرقص عبر الزمن التي توقفت من خلاله عقارب ساعاتها لحظة وفاة والدتها تحت أقدام الرحيل بدون أي إشعار يذكر بقيت تلتحف وحدتها القاسية ، لم يسلها في وحدتها سوى محبرة وريشة تكتب بهن خواطرها وزهرة عباد الشمس تضيء لها الوقت المتبقي في عتمة الليل وظلمة المساء وبلحظة غير مسبوقة رأته يسترق النظر لها خلسة عندما كانت تختبئ خلف زجاجة الفراغ في مدرسة التحقت بها لدراسة الادب الروسي حين عشقت منهج الروسية واستعمر فكرها وغزت إحساسها واشعلت غياهب نفسها نظرا لما يتميز به هذا الأدب من إحساس بالنفس البشرية باحثا عن غربتها وقلقها والصراع الأبدي مع معاناة الألم والفقر ، جاهدت حتى تقنع والدها ليتبرع لفقراء تناثرت أجسادهم على حافة الهزال ولم يبق منها سوى العظام المتمزقة وملامح وجوههم شوهها وجع الجوع وألم الفقر ورغم بخل والدها إلا انه نزل عند رغبتها حتى يرجع لها بسمتها التي فقدتها برحيل والدتها حتى غلفها الحزن فهي لا تعرف لغة النقود ولا تطيق رائحتها لشعورها الدائم بأن الارض تجود عليها بخيراتها طالما يرزقها الله الحياة وان ما زاد لديها من مال فهو ليس لها وانما ملك يقتات وينتفع به غيرها ، لفتت أنظار من حولها بروعة هدوئها وسمو أخلاقها فهي كأميرة قادمة من عالم الكمال تجسدها الأنوثة الطاغية والجاذبية التي تداعب أحلام الرجال ورغم ذلك بقيت محافظة على تقاليد العائلة التي نشأت في أحضانها ، حاول والدها أن ينسيها حزنا خيم على عالمها قبل أوانه حولها كبحر بلا شطآن رغم ان الكثير يحسدها على غنى وحب والدها، في هذه الليلة الذي تفرح فيها كعروس تتقلد ساعة ماسية كانت هي والألم ، توأمان تذكرت في ليلة عقد قرانها بأنها هي نفسها ليلة ميلادها نظرت إلى والدها وإلى الساعة تستعيد همس والدها في أذنها بأن تحرص على كل ثانية من وقتها ،حاولت لملمة أفكارها الشاردة بتدريب أنفاسها كي يدخل الهواء إلى رئتيها فرسمت بخيالها صورة والدتها على جدران الزمن لحظة انعكاس القمر حين رأت عريسها قادما ينثر خطواته كشلالات دافقة على مشاعر رجل أسكنه الهوى حتى كاد ان يمزق روحه ، وحين اقترب من المنصة التي تجلس فيها شعر بأنه في تلك الأثناء فقط تعدى حدود اليأس وارهاصات الزمن فنزلت دموع عاشق يصعب البوح بها سوى من متيم عاش تحت توسلات الغرام على غبار الزمن ، رغم قرب المسافات فحبيبته لديها القدرة على شطر القمر لنصفين ، حين نظر إليها لم يعرف على ظهر الأرض أنثى سواها شعر بالحزن الذي يجثو على صدرها لفقد أمها وبسببه يغلفها الألم على أهداب عينيها لكنه فاجأها بأن حظها افضل من حظه فهي تتذكر ملامح أمها في حين هو لا يذكر حتى من أرضعته ، ورغم وجود امه في ذلك الوقت لم يشعر بطعم اللبن من صدرها او رسم ملامحها فالظلام قد غطى صورتها الساخرة حين أسقطته على أبواب المرضعات ينزف الدمع حتى كبر واشتد عوده لم يدر الى اين تقوده خطواته وتسبقه انفاسه حتى حانت لحظة ابتسامة القدر ، ففي تلك الساعة التي رأها فيها وسمع صوتها سرى بداخله إحساس بأنها عشق محرم ممنوع الاقتراب منه وبلحظة استجمع فيها طاقته واسترد فيها انفاسه شعر بأنها لم تخلق إلا لتكون له وليس لسواه خالجه شعور وهو بجانبها بأن راحة السكينة لم تدخل قلبه إلا هذه اللحظة فقط من العمر ، اصبح كل من حضر مراسم عقد القران يحسده ويحسدها على حظ كهذا الحظ وما أن أكتملت مراسم عقد القران وتناثرت سلال الورد على رؤوسهما حتى سحبها من يدها وهي بين إغماءة وإفاقة بدأ يسير معها على مصابيح أضواء المساء وما ان يدخل على ضوضاء شارع حتى يخرج لشارع مشابه له تماماً ، أراد ان يكون هو وهي والقمر فقط سحبا خطواتيهما هربا من تلك الضوضاء بعتمة المساء لحظة انشقاق القمر رغم ذلك لم تستطع ان تمنع أفكارها المتلاطمة في بحر الهيئات من السرحان والشرود تذكرت وصية جدتها التي خبئتها تحت الوسادة قبل ان تلحق بوالدتها إلى العالم الآخر بعدم الزواج الا من احد افراد عائلتها بحجة ان القمر موصد وان المنازل والأبراج لديها لا تتوافق مع زوج غريب خارج حدود عائلتها نظرا لاختلاف دم كل منهما والا ستصاب بلعنة التاريخ. وستغتال جميع أمنياتها أحست بأن أقدامها في تلك اللحظة بدأت تتصلب وبأنها لا تقوى على المشي قذفت جوار بها في الهواء الطلق حتى تطايرت في السماء لم تعد تستطيع النطق من الهذيان والخوف وكثرة الإرتباك تعلقت به عله يرجع لها ثقتها المفقودة وهو لايزال ينظر إلى القمر في ليلة شتوية فيراه يحاول الاختفاء وقد بدأ يشتد سواده حاول جاهدا التخلص من مخاوفه بدأت أصابعه ترتعش في تلك الحظة فقط تذكر معها بأنه تسلق قمة جبل قد بلغ طولها 1000م دون ان يجد التفسير لذلك وكيف استطاعت عروس كهذه تسلق هذه المسافة من الجبل ليلة عقد قرانها على سفح مرتفع كهذا سابقت فيه الريح حاولت الجلوس على إعياء متعبة فغفت على كتفه إشتهى حينها ان ينظر إلى وجهها وهي نائمة ولكن الليل كالح السواد لحظة إختفاء قرص القمر ساعة العتمة ،فرش لها معطفه محاولا ان يشعل نارا للتدفئة ولكنه فجأة تذكر العرافة حينما كان يبحث عن طالعه نظر إلى راحة يده بلحظة إرتجاف وفي ذهنه كلام العرافة حين أخبرته وداعك هو ليلة مماتك على عروس الحزن اطرق رأسه متسائلا كيف لجمال مشرق كهذا ان يكون عروس حزن لحظة عقد قرانها كان صوتها دمع وهو يجلس بجانبها اثناء عقد القران ، اي أحزان وبلايا تنزل بفتاة مرفهة كهذه ؟ حاول أن يجد جوابا لنفسه بعد سؤال توغل بخلجات صدره حتى كتم بقايا انفاسه المثقلة بالتعب ما إذا كانت الأمنيات يطويها القدر ؟ أخذ يصارع أفكاره التي تتساقط عليه كزخات المطر يرتعش كرعشة بأهداب المساء على حنايا عروس أنفاسها تحرقها شعر بأنه لم يخرج من غربة الا ودخل في غربة اخرى سحب أنفاسه مستمطرا خياله لحظات من العمر والأماني لكن صوت العرافة يقف حائلا بينه وبين أمانيه وكأن شيئا ما بداخله يحترق وبلحظة من هذيان فكره المشتت تعثرت قدمه بحجر أمامه فأنزلق من مكانه إلى منحدر أبقاه معلقا بيديه بين سماء وأرض فأصبحت صرخته التي اطلقها كرصاصة تتردد بين قمم الجبل جعلت عروسه تفيق من نومها وما ان رأته كجناح طائر معلق بنصف جسد من على الجبل حتى أطلقت ابواق الزعاق أسقطته مغتسلا بدمه يجود بأنفاسه الاخيرة تذكرت وصية جدتها ولعنة التاريخ التي أسقطتها من عرشها في لحظة إعدام نيسان تجر أحزان عروس في ربيعها الأول رافعة أعناق امرأة ترثي قدرها على ساعة ظلمة خامدة في طرقات غريبة أرصفتها حوانيت عرافات غارقة بدماء لعنة التاريخ على صفحات أبراج آثمة تحركها أجراس الخطيئة عند نسيان القدر فلا صلاة تؤدى حينها في خشوع فيلفها سكون الوتر التفتت حينها إلى الساعة الماسية بيدها متذكرة التعويذة الاخيرة التي يجب أن تتلى قبل ان تغتال الأمنيات.
بقلم : السهاد البوسعيدية