نشرة الأخبار

آخر المواضيع

الجمعة، 16 ديسمبر 2011

لماذا تنجح في الغرب وتفشل في كلّ مكان آخر؟

<><> <><> <><> <><>
لغز رأس المال..
لغز رأس المال..
هرناندو دي سوتو

الكتاب:
لغز رأس المال.. لماذا تنجح الرأسمالية في الغرب وتفشل في كل مكان آخر ؟
المؤلف:
هرناندو دي سوتو
الطبعة:
الأولى 2010 م
الصفحات:
271 صفحة من القطع المتوسط
الناشر:
الهيئة العامة السورية للكتاب - دمشق - سورية.
عرض:
نادية سعد معوض

يُعتبر هرناندو دي سوتو في كتابه لغز رأس المال.. لماذا تنجح الرأسمالية في الغرب وتفشل في كلّ مكان آخر؟ والذي قام بترجمته حسام الدين خضور وأصدرتْه الهيئة العامة السورية للكتاب، أنّ سقوط جدار برلين، ليس مجرَّد تمثيل رمزي لانهيار الشيوعية، بل لحظة فاصلة بين قرن وآخر، وجد العالم نفسَه أمام خيار أوحد هو الانخراط في النهج الثقافي للرأسمالية، بوصفِها الطريقة العقلانية الوحيدة الممكنة لتنظيم الاقتصاد الحديث، لكن الباحث هرناندو دي سوتو لا يستسلمُ لمقولات النخبة بعدم الإصغاء إلى الكلاب النابحة، ويرى أنّ حجر العثرة الأساس الذي يحول دون استفادة بقية العالم من الرأسمالية هي عجز هذه البقية عن إنتاج رأس المال.
كما يبيِّن أن هناك بالطبع معضلات أخرى تواجِه البلدان الفقيرة، أبرزها الهجراتُ العشوائية إلى المدن الكبرى، وعجْز الحكومات عن سن قوانين جديدة تواكب هذه التحولات، والاعتراف برأس مال يعمل من دون غطاء قانوني.
لماذا تنجحُ الرأسمالية في الغرب فقط؟
لماذا تنجح الرأسمالية في الغرب وتفشل في كلّ مكان آخر؟.. عنوان فرعي آخر يطرحه هرناندو دي سوتو للإجابة عن أسباب تخلّف اقتصاديات الدول الفقيرة، فيشير إلى جفاف القوانين القديمة التي لم تلتقطْ ما يجري بدقة في نادي العولمة من بناء المولات وخدمة الإنترنت ومطاعم الوجبات السريعة،كل هذه الأمور لا تصنع حداثةً اقتصادية، وفقًا لما يقول، بل ينبغي الانتباه إلى ما يجري من فساد وفوضى، وتاليًا أعمال الشغب والنهب، بسبب عُنْف الأسواق والقلق من فاشية رأسمالية جديدة... فانْتصار الرأسمالية في الغرب قد يكون وصفة للكارثة الاقتصادية والسياسية ليس إلا.
ثم يتساءل دي سوتو: لماذا تنجح الرأسمالية في الغرب فقط؟..لعل تنبُّؤَات دي سوتو التي طَرَحَها قبل عقد، باتت حقيقة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، إذ طالما تجاهلت الأنظمة الرأسمالية ضرورة وجود عقد اجتماعي عالمي للحدّ من الفقر وعولمة رأس المال، العولمة التي ظلَّت فكرة غائمة لمصلحة النخب التي تعيش تحت الغطاء الزجاجي، وهي على أي حال ليست بارتداء أحذية نايكي لاختزال المسافات بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء، كما أن نظرية آدم سميث لن تنتصر منفردةً بإغفالها شبح ماركس، فإن وسائل الاتصالات وغزارة المعلومات، أسهمتا في زيادة معرفة الفقراء أسباب بؤسِهم، وهذه المرارة بسبب التمييز القانوني، تتجه نحو التفاقم، وفي مرحلة ما سيعبّأ هؤلاء الذين خارج الغطاء الزجاجي ضد الوضع الراهن، وينبِّه المؤلِّف إلى أن النهوض المفاجئ للصراعات الإثنية والثقافية في العالم تثبتُ أنه عندما يكون الناس مُستائين، يستمرُّون في تكوين أنفسِهم في طبقات قائمة على الظلم المشترك، الإحصاءات التي اعتمدها دي سوتو، تؤكد حجم كارثة الفقر التي يعيشها الكوكب الأرضي من جهة، وازدياد حجم الترسانة المعادية للرأسمالية والعولمة من جهة ثانية، أولى الإشارات تأتي من فضائح الشركات المتعدِّدَة الجنسيات التي كُلَّما وسّعت استثماراتها، ازداد عدد الفقراء في العالم، وهذا ما يفسِّر فشل برامج الخصخصة في دول العالم الثالث، والأنظمة الشيوعية السابقة، بتأثير من أفكار ماركسية كامنة، فقد فهم ماركس جيدًا أن النقود والسلع في ذاتها ليست رأسمالًا بقدر ما هي وسيلة إنتاج وقوام عيش، وينصح دي سوتو بالاستفادة من مفاهيم فلسفية وتمثيلاتٍ ثقافية لجعل الرأسمالية تفكّر ودّيًّا، ويخلص إلى أنه ليس الفقراء هم المشكلة، بل الحل... وإلا فلا تستهينوا بالعصيان المدني والمافيات، لأنها لم تعدّ ظواهر هامشية في عالم اليوم.
كما يهدف الكتاب إلى توضيح أن العثرة الأشد التي تحول دون استفادة بقية العالم من الرأسمالية هو عجز هذه البقية عن إنتاج رأس المال، فرأس المال هو القوَّة التي ترفع إنتاجية العمل وتوجد ثروة الأمم، إنه دم الحياة في النظام الرأسمالي وأساس التقدم والشيء الوحيد الذي يبدو أن بلدان العالم الفقيرة لا تستطيع أن تنتجه من تلقاء ذاتها، بصرْف النظر عن مدى الحماس الذي تنخرط به شعوبها في كل النشاطات الأخرى التي تميز الاقتصاد الرأسمالي. ‏
أرقامٌ وتحليلات
والهامُّ في هذا الكتاب الهام هي تلك المعطيات الرقمية والتحليلية التي تطلَّبَت من المؤلف وفريق بحثه التجوال في أربع قارات لسنوات طويلة للحصول على هذه المعلومات، فمثلًا يشير الكتاب إلى أن قيمة المدخَّرَات في البلدان الفقيرة هي في الواقع هائلة تعادل أربعين ضعف المساعدات الأجنبية التي تلقَّاها العالم منذ عام 1945، ففي مصر يبلغ حجم الثروة التي كدسها الفقراء 55 ضعف المبلغ الذي جلبته الاستثمارات منذ أن أخذت تسجّل هناك بما فيها قناة السويس وسدّ أسوان.
وفي هاييتي -البلد الأكثر فقرًا في أمريكا اللاتينية- يربو مجموع ما يملكه من أصول على 150 ضعف الاستثمار الأجنبي الذي تلقته منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1804.
لكن هذه البلدان تملكُ تلك الموارد في أشكال غير تامة، منازل مبنيَّة على أرض حقوق ملكيتها ليست مسجلة بشكلٍ كافٍ، أعمال حُرَّة غير منظمة ذات مسئولية غير معرفة، صناعات قائمة في أمكنة لا يستطيع الممولون والمستثمرون أن يَرَوْها، ولأن حقوق هذه الممتلكات غير موثقة بشكلٍ كافٍ فلا يمكن الاتجارُ بها خارج دوائر محليَّة ضيقة، حيث يعرف الناس بعضهم بعضًا ويثق أحدهم بالآخر، ولا يمكن استخدامُها كضمان لقرض أو سهم مقابل استثمار ما.
يملكُ السكان الفقراء في بلدان العالم الثالث والدول الشيوعية السابقة أشياء، لكنهم يفتقرون إلى العملية التي تمثل ملكياتهم وتخلق رأسمالًا، يملكون منازل، لكن ليس لها سندات ملكية، ومحاصيل لكن ليس لها وثائق رسمية، وأعمالًا حرَّة لكن ليس قواعد قانونية للشركة، إنها حالة عدم وجود هذه التمثيلات الأساسية التي تفسر سبب أن الناس الذين كيَّفوا كل اختراع غربي، من ماسكة الورق إلى المفاعل النووي، لم يكونوا قادرين على إنتاج رأس مال كافٍ لجعل رأسماليتهم المحلية تنجح، هذا هو لغز رأس المال، وحله يتطلب فهم سبب أن الغربيين بتمثيل ملكياتهم بسندات ملكية قادرون على رؤيتها وتنمية رأس مال منها.
ولاحظَ المؤلف ضمن دراسته للعقبات القانونية أمام توثيق الملكية أن الحصول على ترخيص قانوني لبناء منزل في البيرو على أرض تملكها الدولة يستغرق ست سنوات وأحد عشر شهرًا، ويتطلب ذلك 207 خطوات إدارية في 52 مكتبًا حكوميًّا، والحصول على صك قانوني لملكية أرض يحتاج إلى 728 خطوة، وأن سائق الباص أو السرفيس أو التاكسي الذي يريد أن يحصل على تحديد رسمي للخط الذي يعمل به سيواجه 26 شهرًا من البيروقراطية، ويصلُ الكتاب إلى فكرة أساس تقول: إن القوى الاقتصادية البارزة في العالم الثالث والدول الشيوعية السابقة هي جامعو النفايات وصانعو الأدوات وشركات البناء غير القانونية في الشوارع بعيدًا في الأسفل، والخيار الحقيقي الوحيد أمام حكومات هذه البلدان هو أن تدمج هذه الموارد في إطار قانوني متماسِك ومنظَّم أو أن تواصل العيش في الفوضى.
ويناقش كتاب لغز رأس المال، لغز الوعي السياسي، والدروس المفقودة في تاريخ الولايات المتحدة، ولغز الفشل القانوني...
ومما يخلص إليه الكتاب أن تحدي تحويل الفقراء إلى أصحاب رأس مال في العالم الثالث والبلدان الشيوعية السابقة هو في الأساس تحدٍّ سياسيٌّ يجب أن يُسوَّى بأدوات قانونية.
الكتاب والكاتب
وصف فرانسيس فوكوياما مؤلِّف كتاب نهاية التاريخ هذا الكتاب بقوله: واحدة من المقاربات القليلة والواعدة بصدق للتغلُّب على الفقر في المدى الطويل.
أما الديلي تلغراف فوصفته بـ "كتاب مقنع وهام للغاية، والسر في ذلك يكمن في فكرته الأساسية المشبعة بالبساطة والمثيرة للمشاعر".
لغز رأس المال كتاب استثنائي، ويجب أن يُقرأ من قِبل السياسيين والاقتصاديين في العالم الثالث وفي الدول الشيوعية السابقة، لأنه محاولةٌ فكرية كبيرة وجهد استمرَّ لسنوات، غايته تعقب إحدى أهم كوارث العالم والمتعلقة بإمكانية فهم لغز رأس المال في البلدان المدروسة.
والمؤلف هرناندودي سوتو باحث واقتصادي بيروفي، صنَّفته مجلة تايم أحد خمسة مبدعين أمريكيين في القرن العشرين الميلادي، أما المترجم حسام الدين خضور فمن مواليد اللاذقية في سورية عام 1952، وهو عضو اتحاد الكُتَّاب العرب.. ترجم العديد من الكتب في الرواية والاقتصاد والاجتماع والسياسة والتراجم