نشرة الأخبار

آخر المواضيع

السبت، 16 مارس 2013

بقلمي : رحلة سورية على قرط إمرأة عربية

 


قلمي : رحلة سورية على قرط إمرأة عربية
من ريف دمشق إنطلقت الحكاية وكأي طفلة عربية فارقت خطواتها تراب بلدها الأم وأسرتها هناك ، يومها الظلام كان دامسا في حمص ، خرجت لا تعلم لها مقرا لتتلقفها دماء الهزيمة عندما رأت منزلها بحمص قد تهاوى تحت قصف المدافع وقد غرق في بركة من نهر دم أبيها وإخوتها ، هي عروس دمشقية سورية لا تستطيع نسيان صدر نهر العاصي وهي تنام عليه كأي طفلة صغيرة تنتظر ريعان الأنوثة عند مصبه ، كم تألمت وهي ترى براعم أطفال الحجارة بالقدس العتيقة عرايا ، وذرفت الدمعة تلو الدمعة وهي ترثي لحالهم ، كانت تتخيل اللآجئون وهم يصارعون الأوبئة ، حتى ذلك الطفل اللبناني الذي فقد منشأة تحت وطئ دمار الحرب سابقا قد سبب لها جرح يثعب لا يقف نزفه ، كان أبيها ذلك الأعمى الضرير من بلدة دير الزور السورية ، وبيت جدها على تل أثري يدعى دير العتيق المحاط بالقصب البري ، عاشت سعيدة منذ طلوع الفجر حتى إبتسامة المساء متنقلة ما بين فصل ربيعي أخضر وشتاء يذوب فيه الثلج بين مزارع الزيتون والكرز وبستان من شجر التفاح والفراولة وحقول المشمش ، إن رائحة القهوة تسري بداخلها حين تتذكر تلك اللحظة التي تستمع فيها لقصص وأساطير جدها وهي تجلس القرفصاء بآذان صاغية لم تستطع بلحظتها تلك نسيان معمل الورق ومحلجة القطن ومعامل الغزل والسكر والأعمدة الخرسانية والمطاحن الآلية وصوامع الحبوب التي بقريتها ، إنها فتاة غير عادية من ينظر إليها يعلم بأنها تشبه نَـبْـتـةُ الوردَ الإيرلنديّ المزروع في بساتين دير الزور وكأن من يستمع إلى حديثها يُشبٍهه بغناء الحوريات وهدهدته ، إنها وردة اللوتس على ضفاف نهر العاصي ، صرخت بأنفاس طويلة حين رأت تلك المدينة من ريف دمشق أصبحت رماد ، لم يعد فيها غير صمت مخيف وطيور جارحة موحشة تقتات على ضحايا الدمار !!
أويعقل يا سورية أن تكوني أولا تكوني ؟ بركان يغلي من نار ؟
وبقايا أشلاء تناثرت هنا وهناك لا بقاء لفيروزيات تغنى ولا لنزاريات تطلق ولا حتى للدبكة على الأراضي السعيدة 
أين تراتيل الراهبات ؟ والموشحات الأندلسية على ضفاف الأنهار وخرير الماء بمطاعم الشام بسويعات الغداء بوقت الظهيرة ؟ 
وأين تراتيل الرهبان وأجراس الكنائس التي تدق بأعياد رأس الميلاد والإنـجـيل الذي يتلى وأناشيد البحر بل وحتى القصيدة ؟ 
حتى رائحة الأرجيلة على عتبات باب الحارة في القرية الشامية أصبحت مقطعة منسية ، نامت بعدها متعبة من هدهدة ٍ أفكارها وإرتطام مخيلتها ، نامت متكأة على صرخة حين لبستها عباءة الحزن ملتحفة ببركة الدم التي غطت كل شيء بالمدينة ولا يزال خيالها معلقا بتلك الصفصافة الكبيرة في تلك الزاوية والساحة الصغيرة التي تقع جنوب جامع الزعفرانة بالقرب من منزل عمتها وهي تتذكر ذلك الشارع الذي يمر بها والمعروف بشارع ابن زهر !! 
ما اروع ذكراك يا شام وما أروع فنجان القهوة التي كانت تقرأه العرافة والبصارة بجميع الأحرف والأبجديات العربية في ذلك الليل البهيم الذي تزينه نجوم سمائك ونور القمر المضيء على ساحة الأمويين وجبل قاسيون بفصل الربيع وبرد الشتاء، أولست أنتي يا شام كما عرفتك ؟
لقد اصبحتي لا يرى الآن منك سوى مرارة نتجرعها لنلفظ ما بقى لنا من أنفاس نـجـرها تحت أول حرف من إسمك وجمال روعة أبجديتك !!
بلحظة غاب فكرها حين كانت تحتسي قهوتها بشرفة منزلها على وقع أنغام فيروز واصوات أطفال قريتها بتلك التلة واليوم حرمت حتى من رائحة البٌن وطعم القهوة الممزوجة بحبيبات السكر ، لم تعد تشتهي القهوة كما كانت !!
ليست لأنها تجهل طريقة تحضيرها ولكن والدتها حين كانت تعدها لأبيها وجدها وهي من بينهم كان لها طعم مختلف لا يفهم أنفاس القهوة وطريقة إعدادها سواها في تلك اللحظة الممتزجة برائحة القهوة، تنام وتصحو حتى الآن على ظاهرة غريبة ، إنها صوت المدافع والرشاشات وأصوات القصف والرصاص ورائحة دم الشهداء التي تفوح بالجهات الأربع على الخارطة السورية تذكرت لحظة أن أخذها والدها على مصيف بحر اللآذقية كان صوت البحر خافتا إلا من هسيس صوت الفيروزيات والأغاني الشعبية التي تجملها الدبكة الشامية ولم يبقى سوى صوت فناجين الشاي بنكهة طعم الياسمين يعطر رائحة البحر ومرتاديه ، لم تستطع حينها أن تنسى ذلك المكان الذي وقعت فيه أقراط أذنيها حين كانت تبكي وهي تبحث عنها كأميرة فينيقية نزلت ببلدة اللآذقية تلك ، وأكاد اجزم بأن جميلات اليونان لن يستطعن مجارات تلك الفاتنة التي لا تعرف سوى حضارة التاريخ ومتعته إنها جوليا الشام التي سماها والديها به نسبة إلى تسمية يوليوس قيصر للآذقية حين اطلق عليها هذا الإسم لندرتها وتميزها عن باقي المدن ، أصبحت الآن معاناتها أكبر إنها مبتدأ رحلة سورية على قرط إمرأة عربية في خضم ويلات من نكبات الربيع العربي مطرقة رأسها ومزدحما بالعديد من التساؤلات التي تطرق أبواب أفكارها واصوات تنادي عالمها المسكون بقصف الرصاص وقذائف المدافع بأن تبحث لها عن أرض اخرى لتنعم فيها بالراحة والأمان . لكن صوت آخر ثائر ينبعث من قوقعة أذنيها يشير لها بالبقاء ، قائلا لها : مهما أحكمت قبضتك يا شام سيعود مجدك يوما ولن تطول المدة ما زالت تقول لنفسها بأنها ليست في قوقعة القيامة فلا يزال مرفأ ا لشام باقي وسيعود العاصي يمضي من جنوبك حتى الشمال وستدور كذلك نواعيرك العملاقة يوما كما كانت على جنبات النهر بين بساتين الفراولة والكرز وحقل المشمش والتفاح وستعود الخضرة يوما بين ساحاتك الدمشقية وأزاهيرها وستفتح ابواب حارة بدمشق جديدة . وسيتجه نهرك يا شام كما كان إلى الشمال ليصل مدينة أنطاكية في لواء اسكندرونة السوري وستنتهي دماء هاملت لتعود محطتك صامدة بعيدة عن غارات من لجج زخات قصق الرصاص وسوف تنجلي أنهار الدم المسكوبة بترابك مع نهاية رعشة مخاض أخير بطلقة صرخة طفل يولد تشرق عليه شمس قاسيون من جديد تسجل في كهوف التاريخ بحبر مسكوب برائحة زهر اللورييت الفرنسية الممزوجة بعبق زهرة النانيس الفرعونية وستنطلق أمجاد سورية كمدينة نانيس التي لم تستسلم ولن تخضع للحروب الصليبية .
بقلمي : السُـهاد البوسعيدية 
من القصص المنشورة بالوطن العمانية